القاهرة/ lahamag- تعدّ مبادرة «سينما الستّات» وما انبثق منها من فعاليات أهمها «مرايات»، نموذجاً مطلوباً تعميمه عربياً، لأنه يهدف إلى مواجهة العنف ضدّ المرأة بأشكال وأدوات غير تقليدية، فكيف بدأت المبادرة؟ وكيف تطوّرت؟ وماذا أنجزت؟ وما هي خططها المستقبلية؟ وكيف يمكن نقلها إلى مختلف الدول العربية، باعتبار أنّ هموم النساء العربيات ومشكلاتهن وآمالهن متشابهة؟
في البداية، أوضحت الدكتورة أمل فهمي، المدير التنفيذي في مركز «تدوين» لدراسات النوع الاجتماعي، أنّ هذه المبادرة النسوية تمّ تأسيسها لتكون معنيّة بإنتاج الفنون البصرية المُناصِرة لقضايا المرأة، والفَاضِحة لكل الممارسات السلبية ضدّها. وأضافت: «فضّلنا أن نطلق عليها اسم «سينما الستّات»، لأنها تهدف الى إحداث تغيير حقيقي في التناول النمطي لأدوار النساء والرجال، خصوصاً في الأعمال الدرامية السينمائية وكل أشكال الفنون البصرية».
وأوضحت فهمي أنّ المبادرة تأتي في إطار العمل الدؤوب لتغيير الوعي، في ما يتعلّق بأدوار النساء والرجال اجتماعياً، وفقاً للشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والأدبيات النسويّة، ومكتسبات التضامن النسوي العالمي، ولهذا فقد حدّد المركز دوافعه وراء المبادرة، وأهمها: البحث عن آليات وتكتيكات جديدة ومبتكرة، للمساهمة في الحدّ من العنف ضدّ النساء والفتيات، وجاءت فكرة تأسيس «سينما الستّات» لما للفنون السمعية والبصرية من تأثير فعَّال ومستمر في ثقافة المواطنين. ولتحقيق المبادرة عملياً، قرّر المركز دعم ومساندة المبدعات الناشئات والمبدعين الناشئين في مجالات الفنون البصرية والسمعية، وإنتاج أفلام قصيرة ووثائقية تطرح وتناقش أنماط العنف والتمييز الواقع على النساء والفتيات، بالإضافة الى إنتاج أفلام قصيرة ومواد دعائية معرفيّة تساهم في تعريف النساء والفتيات بحقوقهن، وسبل الوصول إليها، كما عقد المركز جلسات نقاشية مع المعنيين بالصناعة الفنية وصنّاع السياسات الثقافية لزيادة الاهتمام بطرح قضايا النساء، وسبل مناهضة العنف والتمييز ضدّ النساء في المجالين العام والخاص.
واختتمت الدكتورة أمل فهمي حديثها، مؤكدةً أنه يتم تقديم الدعم المادي والمعنوي لكل عمل فني يساهم في مواجهة العنف ضدّ المرأة، وكانت البداية بالتركيز على العنف ضدّ الطفلات الصغيرات من خلال الخِتان، وستُنشر تلك الأعمال على نطاق واسع، ليس في مصر فقط، بل في كل الدول العربية، لأنّ مشكلات النساء العربيّات متشابهة.
واقع عملي
أكّدت الباحثة مي جمال، منسّق المشروعات في مركز «تدوين»، أنّ المبادرة انبثقت منها فعاليات أهمها مشروع «مرايات» الذي تمّ بالتعاون مع منصّة «لها وجوه أُخر» النسائية ومركز «هردو للتغيير الرقمي»، لرصد وتحليل الدراما الرمضانية خلال موسمَي 2017 و2018 من منظور النوع الاجتماعي، كمحاولة لتحقيق المساواة بين الجنسين في صناعة الدراما، وكسر القوالب النمطية التي تُوضع فيها الشخصيات النسائية في الأعمال الدرامية، بالتوازي مع العمل على زيادة الوعي لدى منتجي الدراما (النساء تحديداً) بشأن قضايا النساء المطروحة على الشاشة ومدى ارتباطها بتمثيلهن في صناعة الأعمال، لا سيما في الأدوار الرئيسة خلف الكاميرا.
وأشارت جمال إلى أنه اشترك في مؤتمر «مرايات» عدد كبير من صنّاع الدراما والنقاد والممثلات والممثلين عن المجتمع المدني، وتناول النقاش أسباب الفجوة بين المبدعين ومدارس التحليل، التي تستند إلى الأيديولوجيا النسوية أو مفاهيم النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى إشكالية تجسيد الواقع والترويج للعنف ضدّ النساء والتمييز على أساس الجنس، وتمّ تحليل الخطابات التي تطرحها المسلسلات التلفزيونية المصرية كمّاً وكيفاً، للوقوف على حقيقة التفاعل الجماهيري، وقياس مدى التأثير الذي تُحدِثه أو يمكن أن تُحدِثه تلك الأعمال؛ والأفكار التي تحملها، في ما يخص ظواهر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وتوصّل التقرير النهائي لـ«مرايات» الى أنّ نسبة الشخصيات الذكورية المُعنِّفة في مسلسلات موسم رمضان 2017 بلغت نحو 7% في مقابل 26.2 % من الشخصيات النسائية، وقد زادت نسبة الشخصيات الذكورية القائمة بالعنف في موسم رمضان 2018 لتصبح 73%، بينما انخفضت مثيلتها من الشخصيات النسائية إلى 26%.
وكشفت مي جمال أنّ ممثلي الجهّات المُنفّذة للمشروع أجروا مقابلات مع مجموعة من صنّاع الدراما المشاركين في الموسمين، خصوصاً في ما يتعلّق بشروط إنتاج الأعمال الدرامية، وتأثيراتها في المحتوى والقضايا المطروحة في هذه الأعمال، كما ستُنظَّم ورش عمل للصحافيين المهتمين بقضايا المرأة، لتزويدهم بالحقائق والأرقام في كل ما يتعلّق بالمرأة، حتى يملكوا المعلومات الكاملة التي تفيدهم في الكتابة عن أي قضية نسائية.
صانعة الرجال
حضّ الفنان الدكتور أشرف زكي، نقيب الممثلين المصريين، كلّ أطراف العمل الفني من منتجين وممثّلين ومخرجين وغيرهم، على تبنّي قضايا إنصاف المرأة ورفع الظلم عنها، لأنّها الأم والأخت والزوجة والابنة والجدّة والخالة والعمّة والزميلة، وبالتالي فهي شريك حياة، بل إنها «صانعة الرجال» ولا يمكن أن تستقيم الحياة وهي تتعرّض للظلم، ولهذا فإن إنصافها بالفن وخِلافه من القوانين والتربية والثقافة والإعلام، أمانةٌ في أعناقنا نحن الرجال.
وأوضح زكي أنّ للفن دوراً كبيراً في كشف كلّ أشكال العنف التي تتعرّض لها المرأة في مختلف مراحل حياتها، وبهذا تتلاقى أهداف المبادرات النسائية؛ مثل «سينما الستّات» وغيرها مع الفن الهادف الذي من وظائفه قراءة الواقع وتصحيح ما فيه من أخطاء، بعد تشخيصها بحيادٍ وموضوعية، مع التشديد على أنّ إنصاف المرأة ليس ظلماً للرجل، بل إنه إنصافٌ للمجتمع كلّه.
مبادرة مميزة
أكّدت الدكتورة مايا مرسي، الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، دعمها لكل المبادرات النسائية المميزة، ومنها مبادرة «سينما الستّات»، التي تتوافق مع الأهداف العامة التي من أجلها أُنشئ المجلس منذ عام 2001.
وأوضحت الدكتورة مايا أن المبادرات النسائية الجريئة تتلاقى مع رسالة المجلس؛ في تلقّي ودراسة الشكاوى الخاصة بانتهاك حقوق وحريات المرأة، وإحالتها إلى جهات الاختصاص، والعمل على حلّها مع الجهات المعنية، وتوفير المساعدة القضائية اللازمة، وإبلاغ السلطات العامة عن أي انتهاكات لحقوق وحريات المرأة، ونشر ثقافة حماية المرأة، وتمكينها، وتنميتها بالاستعانة بكل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وإعداد المواد والبرامج الإعلامية اللازمة للتوعية بدور المرأة في المجتمع، والتعريف بحقوقها وواجباتها، وإصدار النشرات والدوريات والمجلات والمطبوعات، وعقد المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية، وإعداد البحوث والدراسات في الموضوعات التي تخصّ المرأة، وتنظيم الدورات والبرامج التدريبية لتعزيز قدراتها وتطوير مهاراتها في كل المجالات.
مظلّة عربية
عبّرت الدكتورة هدى بدران، رئيس الاتحاد النسائي العربي، عن حماستها الشديدة لكل المبادرات النسائية التي تنصف المرأة؛ ليس في مصر فقط، بل في مختلف الدول العربية، مع الاستعداد التام للإسهام في تبادل الخبرات؛ لخلق رأي عام عربي مُنصِف ورافض لكل أشكال التمييز والعنف ضدّ المرأة.
وأوضحت الدكتورة هدى، أنّ الاتحاد النسائي العربي مستعدٌ لأن يكون مظلّةً بالتعاون مع غيره من المؤسسات والمنظمات العربية، مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة المرأة العربية، فيصنع حراكاً عربياً رافضاً لظلم المرأة، مهما كان شكل الظلم، وليس مهماً من يرفع راية مقاومة الظلم؛ بل الأهم أن تُرفع الراية، فنحن ضدّ التعصّب المقيت ومع الشفافية والعمل الجماعي.
تحرّك عالمي
أما الدكتورة سوزان القليني، عميد كلية آداب عين شمس، ورئيس لجنة الإعلام في المجلس القومي للمرأة، فقالت: «المبادرة تتوافق مع استراتيجية مصر في كشف ومحاصرة كلّ أشكال العنف المادي والمعنوي ضدّ المرأة، وقد سجّلنا من خلال الرصد تزايد مشاهد العنف ضدّ المرأة، حتى أننا رصدنا في الأعمال الفنية تزايد العنف المادي والمعنوي ما بين الضرب والشتائم، رغم أن العنف ضدّ المرأة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً، ولهذا لا بد من توعية النساء بحقوقهنّ وواجباتهنّ للارتقاء بأنفسهنّ وبالمجتمع».
وثمّنت الدكتورة سوزان مبادرات إنصاف المرأة ضدّ العنف، ومنها «سينما الستّات»، بما يتوافق مع جهود الدولة من جانب، ومع ما قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي حدّدت يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر من كل سنة ليكون «اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة»، تعقبه 16 يوماً لمناهضة العنف ضدّ المرأة، من خلال حملة عالمية أطلقتها الأمم المتحدة عام 1991، بهدف مناهضة كلّ أشكال العنف الموجّه ضدّ النساء والفتيات حول العالم.
وحضّت الدكتورة سوزان، مختلف منظمات المجتمع المدني– خاصةً النسائية منها – على إطلاق مبادرات غير تقليدية وجريئة، وكذلك على التعاون مع وسائل الإعلام والثقافة للكشف عما تتعرّض له المرأة من عنف في مختلف مراحل عمرها، لأن التشخيص الصحيح لأي مشكلة هو البداية الحقيقية لحلّها، مع التأكيد على الواقع المرير، ولكن هناك خطوات إيجابية على الطريق الصحيح، ولكنها تتطلّب الصبر وحُسن التخطيط، لأن إصلاح العادات المُتَجذّرة في المجتمع والمُجحِفة في حقّ المرأة لا يتم بين ليلةٍ وضحاها.
تكامل لا تعارض
تحمّست المخرجة نيفين شلبي، للمبادرة التي تتكامل في أهدافها مع مبادرتها «عين السمكة»، لمناصرة قضايا المرأة ضدّ العنف، والتي انبثقت منها فعاليات «كلّنا معاكي»، التي تسجل اعترافات النساء بالعنف الذي يتعرّضن له، باعتبار تلك الاعترافات صرخة رافضة للتقاليد البالية التي يستند بعضها ظلماً إلى الدين، وبعضها الآخر موروث اجتماعي قديم خاطئ في فهمه لمعنى الرجولة، وكلها ظلمت المرأة وجعلتها مواطناً من الدرجة الثانية.
وأشارت نيفين إلى أن لا تعارض بين المبادرتين، بل هما تتكاملان، نظراً لتعدّد مظاهر العنف ضدّ النساء؛ ليس في مصر فقط، بل في مختلف الدول العربية. وأضافت: «نتمنى أن تكون هناك مبادرات نسائية عربية مماثلة ونتبادل الخبرات، لأن هناك قاسماً مشتركاً بين أشكال العنف الذي تتعرّض له المرأة العربية… وإن اختلفت أدواته وآلياته، يظلّ في النهاية شكلاً من أشكال العنف والتمييز ضدّها، وواجبنا من خلال المبادرات كشفه وفضحه والدعوة إلى تعديله، وتشديد العقوبات القانونية والرفض المجتمعي للقائمين به».
وأنهت نيفين كلامها، موضحةً أنّ المشوار طويل ويتطلّب سياسة النَفَس الطويل والإرادة القوية، لتغيير واقع المرأة العربية إلى الأحسن، والالتزام بنصوص المواثيق الدولية التي تحرّم وتجرّم مظاهر العنف، وكلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة التي كرّمها الله وأهانها الجهلاء من البشر باسم الدين.
«الصورة أقوى»
أكدت الناقدة الفنية ماجدة موريس، أنّها شاركت في فعاليات «سينما الستّات» لاقتناعها بالفكرة؛ ودور الفن في التغيير الإيجابي لنظرة وسلوكيات المجتمع تجاه المرأة، لأنه كما يقال «الصورة الجيدة أقوى من ألف كلمة»، فإذا كان هذا في الصحافة؛ فما بالنا بالأعمال الفنية السينمائية والدرامية؟! لا شك في أنّ تأثيرها هو أضعاف ذلك، إذا تمّ إتقانها وجعلها تحمل رسائل بعضها مباشر أو غير مباشر، مع التركيز على الأسرة، وخاصة الأم، لأن التمييز والعنف ضدّ الطفلة قد يبدأ من الأم والأب اللذين يميّزان بين الصبيان والبنات في المعاملة، فتكون البنت مستسلمة للظلم في مراحل حياتها، وخاصةً إذا رأت أمّها تتقبّل الظلم من والدها.
وطالبت موريس المؤسسات الدولية والمجتمع المدني بدعم المبادرات النسائية الجريئة وغير التقليدية، لتشجيع المُبدِعات والمُبدِعين على التعاون معها، حتى تحقّق الأهداف التي قامت من أجلها، لأنّ اليد الواحدة لا تصفّق؛ بل لا بد من العمل الجماعي وتكامل الأفكار والمبادرات، لأن أشكال العنف والتمييز ضدّ المرأة العربية كثيرة وتتطلّب جهوداً مضاعفة.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.