يوم المرأة بأي حال عدت يا يوم
المرأة السورية في اليوم العالمي للمرأة

مية الرحبي/شبكة جيرون- يمر يوم المرأة العالمي 2017 على المرأة السورية، وهي تعاني ما لم تعانيه نساء أي بلد في العصر الحديث، فبعد ست سنوات من بدء الاحتجاجات الشعبية التي طالب فيها السوريون بالحرية والعدالة، وواجهها النظام السوري بكم غير مسبوق من القمع والعنف، مُحوّلًا سلميتها إلى نزاع مسلّح لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلًا، في شدته وعنفه وتعدد أطراف الصراع فيه، لا يزال المدنيون السوريون هم الهدف الأول لأعمال  النظام العدائية، ويُشكّلون النسبة الأكبر من ضحاياه، ويدفعون ثمن هذا العنف الوحشي الذي استُخدمت فيه جميع الأسلحة المُحرّمة دوليًا، ومن بينها السلاح الكيمياوي، إذ صُنفت تلك الأعمال العدائية -مرارًا- جرائمَ حرب وجرائم ضد الإنسانية.

تؤثر الممارسات القمعية والعنف المسلح تأثيرًا مضاعفًا على النساء اللاتي يخسرن باضطراد أمنهن وبيوتهن وحيواتهن، وأفرادًا من عائلاتهن. والحقيقة أن وضع النساء في العقود الخمس الماضية التي عاشها الشعب السوري تحت سلطة الاستبداد، كان -بالأصل- وضعًا بائسًا، يحكمه التمييز والعنف والتهميش والإقصاء؛ فقد حكمت حيوات النساء قوانين مُميِّزة ضدهن، وعلى رأسها قوانين الأحوال الشخصية التي تُصنّف المرأة مواطنًا ناقص الأهلية مغبون الحقوق في الحقل الخاص؛ ما انعكس على وضعها في الحقل العام، وحوت القوانين المدنية موادً مميزة ضد المرأة، وشرعنت العنف ضدها، كما في قوانين الجنسية والعقوبات والعمل وغيرها، فضلًا عن التمييز ضدها في الأنظمة والإجراءات المرعية في مؤسسات الدولة، والأوضاع المجحفة بحقها وتهميشها في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، وفي جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية. وتحفّظت سورية، عند مصادقتها على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)، على كثير من مواد الاتفاقية، وخاصة المادة 2؛ ما أفرغ الاتفاقية من محتواها، ولم يؤد إلى إلزام الدولة السورية بتغيير أي من تشريعاتها أو قوانينها المميزة ضد المرأة.

وبين مؤشر المساواة بين الجنسين، المعتمد من الأمم المتحدة، أن سورية تقع في المرتبة 118 من أصل 148 دولة جرى تقييمها، دون أي تقدم منذ عام 2000.

ازداد وضع النساء السوريات سوءًا بعد النزاع المسلح، فتعرضت النساء السوريات لمختلف أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي.

ومن أكثر أوضاع النساء بؤسًا وضع عشرات الآلاف من المعتقلات اللاتي يتعرضن في السجون إلى مختلف أنواع التعذيب الوحشي الجسدي والنفسي والجنسي، وأدى إلى موت بعضهن تحت التعذيب، وعُرفت جثثهن في صور قيصر المسربة (55 ألف صورة وثقت مقتل 11 ألف معتقل تحت التعذيب). وهن في معظم الأحوال نساء، عملن في الإغاثة وإيصال المساعدات الإنسانية، إلا أنهن يقدمن إلى محاكم الإرهاب، ويُحكم عليهن بسنوات من السجن، أو يغيّبن وينسين في السجون السريةـ أو أفرع الاستخبارات دون أي محاكمة، وفي أوضاع تفتقر إلى أبسط الشروط الإنسانية، وسعيدة الحظ منهن من تصل إلى سجن عدرا الذي تُحتجز فيه النساء، ويقع في منطقة اشتباك بين النظام والجيش الحر، ومهدد دائمًا بأن يقصف أو تناله القذائف المتبادلة بين الطرفين، ويصعب على الأهالي زيارة بناتهن المعتقلات فيه؛ نظرًا إلى وجوده في منطقة عسكرية، ما يحرم السجينات من المواد الضرورية التي قد يؤمنها الأهل لهن. وهنالك نساء محتجزات بوصفهن رهائن عن أزواجهن الفارين، أو أحد أفراد عائلاتهن، وأخريات لا يعرفن سبب احتجازهن، وهؤلاء غالبًا ما يكنّ منسيات في السجون، ولا يُطالب بهن أو يُدرجن في صفقات التبادل، علاوةً على المختفيات قسرًا ممن لا يُعرف إن كن في مراكز الاعتقال أو اختطفن من جهة ما. وبحسب الإحصاءات التي وُثِّقت؛ فإن 76 بالمئة من المعتقلات يُحتجزن في فروع للأمن وأماكن احتجاز سرية أخرى، بينما 24 بالمئة -فقط- في السجون المركزية (83 بالمئة منهن محتجزات في سجن عدرا، بغض النظر عن أماكن إقامتهن الأصلية).

تُعاني المعتقلات من الأوساط المحافظة، بعد خروجهن من المعتقل، من نبذ مجتمعي، وشعور ذويهن بالخزي والعار مما قد يكنّ قد تعرضن له في فترة احتجازهن؛ ما يؤدي بأغلبهن إلى الخروج من البلاد، وسُجلت حالات انتحار بينهن.

وتعاني زوجات ونساء عائلات المعتقلين والمختفين قسريًا من الرجال، ويُقدّر عددهم بمئات الألوف، من فقدان مفاجئ للمعيل، وهنّ غير مُهيئات للعمل خارج المنزل وكسب رزقهن ورزق أسرهن، عدا عن ابتزازهن من القوات الأمنية عند محاولتهن معرفة مصير رجال عائلاتهن.

وتتعرض الناشطات المدنيات إلى أشكال مختلفة من القمع والاضطهاد، فضلًا عن الاعتقال، كالاستيلاء على ممتلكاتهن وتسريحهن من أعمالهن، وإخراجهن من بيوتهن، ومنعهن من السفر، والاستدعاءات الأمنية المتكررة، وما يتعرضن خلالها من ترهيب وإذلال.

وهنالك بعض الناشطات اللائي اعتقلن من بعض مجموعات المعارضة المسلحة، ولم يُعرف مصيرهن حتى الآن، كرزان زيتونة وسميرة خليل. وتمتلك تلك المجموعات سجونًا تعتقل فيها النساء في أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة.

وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار عدة مرات، يستمر النظام السوري -منذ سنوات- بشن الغارات الجوية العشوائية، وإلقاء القنابل البرميلية على المدنيين والمناطق المأهولة بالسكان، ممارسة ممنهجة وواسعة النطاق ويستخدم الأسلحة المحظورة دوليًا، وعلى رأسها الأسلحة الكيماوية التي تصيب الأسواق والمدارس والمستشفيات دون تمييز.

إن تأثير استخدام الأسلحة المتفجرة على المدنيين لا ينحصر في عدد الضحايا فحسب، بل يتعداه إلى عدد من الآثار غير المباشرة، منها التهجير القسري، وتآكل رأس المال الاجتماعي، وتدمير البنية التحتية الأساسية التي تؤثر في المرأة تأثيرًا مختلفًا عن الرجل. إذ إن انعدام الأمن الناجم عن استخدام الأسلحة المتفجرة ضد مناطق مأهولة بالمدنيين، يقوّض مشاركة المرأة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، ويعيق وصولهن إلى الخدمات الأساسية، وخاصة خدمات الصحة الإنجابية؛ ما أدى إلى وفاة عدد من النساء، إضافة إلى أن انتشار السلاح الفردي يجعل النساء أكثر عرضة لاستخدامه ضدهن في حوادث العنف الأسري.

تجاوز اليوم عدد اللاجئين السوريين 4.6 مليون لاجئ مُسجّل، ويبدو أن هذا الرقم مرشح للازدياد، بحسب تواتر الأحداث في السنوات الخمس الماضية، إضافة إلى ذلك، فقد نزح 7.6 مليون شخص -في الأقل- داخل سورية؛ 50.7 بالمئة من اللاجئين السوريين نساء، وبحسب تقرير مفوضية اللاجئين “نساء بمفردهن”، تدير ربع النساء اللاجئات بيوتهن بمفردهن، في حين أن 55 بالمئة من اللاجئين أطفال دون الثامن عشرة، ذكورًا وإناثًا، مع الأخذ في الحسبان أن 78 بالمئة من المسجلين لدى المفوضية لتلقي المساعدات هن من النساء، ومن أهم أسباب اللجوء والنزوح استهداف المناطق بالأسلحة المتفجرة، والاشتباكات وخوف الأهالي من المذابح واغتصاب النساء.

علاوة على الفقر وتردي الحالة الاقتصادية للّاجئين في المنفى، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن اللاجئين السوريين يعانون اليوم من فقدان الأمل بالعودة، وفرص محدودة لكسب العيش، وتراجع المساعدات، وندرة فرص التعليم، وعدم الشعور بالأمان، كما أنهم يواجهون صعوبات بتجديد الإقامة القانونية، والمنع من العمل.

يضاف إلى تلك المعاناة التي تنطبق على جميع اللاجئين معاناة مضاعفة على النساء، على رأسها غياب المعيل، دون امتلاك من فقدن معيلهن أي مهارات تؤهلهن للعمل وكسب العيش، وتردي فرص التعليم وخاصة بالنسبة إلى الفتيات. واللاجئات عرضةً للاعتداءات الجسدية، والاستغلال الجنسي، وإجبارهن على تقديم خدمات جنسية مقابل توفير الحاجات الأساسية والحماية. مثلما ذكرت منظمة العفو الدولية أن اللاجئات، من سيدات وفتيات، يواجهن عوائق تحول دون إبلاغهن عن هذه الجرائم؛ لأنهن لم يحصلن على إقامة سارية، وهنالك أيضًا مشكلة تزويج اللاجئات القاصرات، وندرة، أو انعدام، خدمات الصحة الإنجابية، وصعوبة الوصول إلى مقدمي الخدمات، وتعاني السوريات من القوانين السورية التمييزية التي تحرم الأمهات من الوصاية على أولادهن، وتسمح للزوج بتقييد سفر الزوجة وحريتها في التنقل، كذلك تشكل الرسوم العالية في السفارات السورية مانعًا -أيضًا- من حصول اللاجئة، لها أو لأولادها، على الأوراق الثبوتية اللازمة.

ويشكل الحصار الذي يفرضه النظام السوري على 17 منطقة، وتفرضه قوى المعارضة المسلحة على منطقتين، ويُحرم بسببه سكان هذه المناطق -يُقدّر عددهم بنحو نصف مليون شخص- من أبسط شروط الحياة الإنسانية، كالماء والغذاء والدواء والكهرباء، عبئًا إضافيًا على المرأة التي يقع على عاتقها البحث عن الطعام الشحيح وإعداده لإطعام أفراد أسرتها، وهي دائمًا تبقى آخر من يأكل، هذا إذا بقي لها شيء لتأكله، إضافة إلى حرمانها من خدمات الصحة الإنجابية، وقد سُجلت حالات وفيات في أثناء الولادة في تلك المناطق؛ لانعدام الخدمات الطبية اللازمة.

ولا يقتصر تراجع خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة على تلك الأماكن، بل تمتد إلى جميع المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة، إذ أدى استمرار القصف الجوي العشوائي الذي ينفذه النظام، والقوات الروسية الحليفة، إلى تدمير وتضرر المستشفيات، والمستشفيات الميدانية، والمستوصفات والمعدات الطبية ومخازن الأدوية والمولدات الكهربائية، وتسبب في إغلاق مرافق الرعاية الصحية إغلاقًا مؤقتًا أو دائمًا، حيث باتت المنشآت الصحية من الأهداف الرئيسة لهجمات النظام السوري.

كذلك أدى انهيار القطاع التعليمي إلى حرمان كثير من الأطفال، وخاصة الطفلات، من التعليم؛ بسبب تدمير المدارس وصعوبة تنقل الفتيات للوصول إلى أماكن التعليم البديلة، وحُرم كثير من الفتيات اللاجئات من التعليم؛ بسبب عدم توفر أماكن التعليم، أو إمكانية الوصول إليها، أو عدم توفر الأوراق الثبوتية اللازمة؛ ما رفع من نسبة تزويج القاصرات في مخيمات اللجوء.

أدت ممارسات النظام في الجامعات والمؤسسات التعليمية بحق الطلاب والطالبات، ممن يعارضونه سلميًا، إلى امتناع أعداد كبيرة من الطلاب، وخاصة الفتيات من الذهاب إلى الجامعات.

وفي المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، تتعرض النساء إلى أبشع أنواع العنف، من منع للتجول في الحيز العام، وإجبارهن على عدم الخروج من منازلهن، إلا بتغطية كاملة لأجسادهن، وبمرافقة محرم، ومنعهن من الدراسة والعمل والطبابة، وتعرضهن لأبشع أنواع العقوبات الوحشية البربرية، من سبي وجلد ورجم، إضافة إلى سبيهن واسترقاقهن وبيعهن سلعًا. ولابد هنا من الإشارة إلى تجنيد القاصرات الكرديات في المناطق الواقعة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

لا سبيل اليوم إلى إنقاذ ما تبقى من سورية وشعبها، إلا بوقف جميع الأعمال العدائية، والسعي نحو الحل السياسي. وقد أثبتت تجارب الشعوب أن إشراك النساء في صنع السلام، على المستويين المحلي والدولي، يمنح السلام تأثيرًا أكبر ودوامًا أطول.

السلام الذي ننشد هو السلام العادل الشامل المستدام، بمرحلة انتقالية يحكمها إعلان دستوري، يضمن جميع الأسس التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية الحديثة، وهيئةِ حكم انتقالي بسلطة تنفيذية وسلطة تشريعية تمثل كل طيف الشعب، وسلطةٍ قضائية نزيهة مستقلة تراقب وتحاسب، وعدالةٍ انتقالية تُخضع كلَّ من أجرم بحق الشعب إلى محاكمة عادلة؛ فترةٍ انتقالية تتيح لنا صوغ دستور دائم للدولة التي ننشد، دستور متوافق مع النوع الاجتماعي، يضمن حقوق النساء، ويهيئ لإلغاء جميع القوانين التمييزية ضد المرأة، وتمكينها ومشاركتها الفاعلة في جميع مناحي الحياة.

على الرغم من تلك الصورة السوداوية، لابد من الإشارة إلى أن هنالك -اليوم- كثيرًا من المنظمات النسوية السورية التي نشأت بعد الثورة، أغلبها في الخارج، ولكن نشاطها يشمل داخل وخارجها، وهي تسعى لمساعدة وتمكين النساء في الداخل، وفي أماكن اللجوء، والضغط من أجل مشاركة نسائية فاعلة في جميع مراحل صنع السلام، وتضمين كل مرحلة من مراحله حقوق النساء والمساواة الجندرية.

يوم المرأة، بأي حال عدت يا يوم!

“لكننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ”.

المرأة السورية في اليوم العالمي للمرأة

المرأة السورية في اليوم العالمي للمرأة

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015