العنف الرقمي: الوجه الحديث للعنف ضد المرأة
التنمّر الإلكتروني

شريكة ولكن- في زمن باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي السمة الأبرز للعصر وعنواناً للتفاعل بين الناس، انحرفت هذه الوسائل عن أهدافها الحقيقية وصارت سلاحاً خفياً جباناً يستخدمه البعض لممارسة عقدهم ومكبوتاتهم و إيذاء الآخرين وإذلالهم وإحراجهم من خلف قناع مجهول الهوية. ولأن المجتمع يرى في النساء الحلقة الأضعف، كان لا بد من أن يصيبهن الكيل الأكبر من الأذى وينصب على كل ما يطال شرفهن وصيتهن وحتى مظهرهن.

وهذه الظاهرة تأخذ في لبنان والعالم العربي وجهاً اكثر حدّة وتتحوّل إلى نوع جديد من العنف ضدّ المرأة. فما هي أبرز تجليّات هذا العنف الرقمي؟ ولماذا يمكن اعتباره اشد ضرراً من العنف التقليدي؟

في دراسة نشرتها إحدى شركات التجميل العالمية (شركة Rimmel) تحت عنوان” أنا لن أُلغى” وشملت 11000 امرأة تتراوح أعمارهن بين 16 و 25، تبيّن أن واحدة من بين كل أربع نساء في العالم تعرّضت للتنمّر الالكتروني بشأن شكلها الخارجي وأن 115 مليون صورة يتمّ حذفها كل عام لهذا السبب. في حين اعترفت 33% من النساء في بريطانيا أن مظهرهن الخارجي تسبّب بتعرّضهن لمضايقات إلكترونية، وأفادت 51% منهن بأن التنمّر منعهن من التنويع في أسلوبهن ومظهرهن، وقد أعربت 65% عن تأثير ذلك على ثقتهن بأنفسهن.

واحدة من بين كل أربع نساء في العالم تعرّضت للتنمّر الإلكتروني بشأن شكلها الخارجي

التنمّر أو الوجه الأول للعنف الرقمي
في “الغرب”، يرتبط التنمّر بشكل مباشر بالصورة المثالية التي رسمتها وسائل الإعلام للمرأة حتى باتت كل صورة مغايرة، سواء من حيث الوزن أو الشكل أو اللون، تثير السخرية وتعرّض صاحباتها للتنمّر والضغوط للبقاء خارج دائرة الضوء.

أما في بلداننا العربية فالتنمّر لا يقتصر فقط على الابتعاد عن الصورة “المثالية” بل هو يطال مظهر المرأة الخارجي بشكل عام وكأنها عورة يجب ألا تظهر للعلن. فالصبية والأم والكهلة والعجوز قد تجد من يسخر من صورها كمدخل لتحقير المرأة و التجريح بكرامتها وإذلالها. فالمتنمّر يسمح لنفسه بتوجيه كل الإهانات لامرأة لم يعجبه شكل أنفها أو طول ثوبها أو فتحة صدرها، وكم شهدنا على حملات الكترونية شعواء تشنّ على هذه المرأة أو تلك وتطال كرامتها وخصوصيتها وأخلاقياتها لا لسبب إلا لأنها ظهرت في صورةٍ بلباس البحر مثلاً أو بوضعية تعتبر جريئة..

ومن تداعيات هذا التنمّر تأثيره بشكل مباشر على تقدير المرأة لذاتها وثقتها بنفسها ما يضطرها في كثير من الأحيان إلى حذف صورها أو حتى الابتعاد عن مواقع التواصل بما يعني أنه يلغي هويتها الرقمية ويحدّ من حقّها بالتواجد الالكتروني.

التحرّش و المطاردة الإلكترونية
الوجه الثاني للعنف الرقمي هو الحديث الذي تتعرّض له المرأة ويتخذ شكل التحرّش الإلكتروني وهو شبيه بالتحرّش الواقعي لكنه أشدّ أذى منه، إذ على خلاف المتحرّش العادي الذي يمكن رؤيته ومواجهته أو حتى تلافيه، فإن المتحرّش الإلكتروني يخترق جدران المنزل ويقتحم خصوصية المرأة بحيث لا تجد ملجأً تحتمي فيه. أضف على ذلك أن المتحرّش الإلكتروني يبقى في كثيرٍ من الأحيان مجهول الهوية، يتلطّى خلف قناع الأسماء المستعارة والهويات المُنتَحَلة وهذا ما يحرّره من القيود الاجتماعية والمعايير الأخلاقية ويجعله أكثر جرأةً أو تهوّراً في ملاحقة المرأة التي يصدف أن رأى صورتها على مواقع التواصل ونادراً ما يكون على معرفة شخصية بها وقد يصل به الأمر إلى حدّ المطاردة الإلكترونية.

وفي حين لم يُقرّ قانون التحرّش بعد في مجلس النواب اللبناني فإن التحرّش الإلكتروني أو المطاردة الإلكترونية يمكن أن تُحال إلى مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية ليُصار إلى تقصّي مصدر المطاردة واتخاذ الإجراءات بحقّ المُطَارِد . وهذا إذا ما أقدمت عليه المرأة التي وقعت ضحية هذا التحرّش على التبليغ وهي حالات تعدّ قليلة جداً حتى اليوم.

الوجه الثاني للعنف الرقمي هو الحديث الذي تتعرض له المرأة ويتخذ شكل التحرش الالكتروني

الابتزاز الوجه الأقبح للعنف الرقمي

أما الوجه الأقبح والأكثر أذى للعنف الرقمي فهو الذي يسعى إلى ابتزاز المرأة والتلاعب بها وتهديدها بغية الحصول منها على مكتسبات مادية أو جنسية أو لتشويه صورتها وسمعتها والتشهير بها وإذلالها، خاصة في ظلّ وجود عقلية ذكورية متحكّمة بجسد النساء وحياتهن الشخصية.

ففي مجتمع محافظ كمجتمعاتنا العربية يصبح أي تهديد يطال سمعة المرأة أو يتمحور حول فضح نشاطاتها الجنسية سلاحاً فتاكاً يمكن أن يؤدي إلى القتل. فالمرأة التي تتعرّض لهذا النوع من الابتزاز لسبب أو لآخر تسعى لإيجاد مخرج منه يحفظ لها سمعتها وكيانها، وقد يكون إما بالاستسلام لمطالب الشخص المبتز مع ما يعنيه ذلك من دخول في دوامة جارفة يصعب الخروج منها، أو الذهاب إلى حلٍ جذري يتمثّل بالانتحار والهروب من الواقع “المُشين” مجتمعياً.

وفي هذا السياق كشف رئيس العلاقات الإعلامية في قوى الامن الداخلي اللبناني العقيد جوزف مسلم في حديثٍ إلى موقع “شريكة ولكن” عن تصاعد مضطرد في أعداد جرائم الابتزاز الجنسي، ولكن الأعداد تشمل فقط ما يتم الإبلاغ عنه والمحاضر التي تُسطّر بحقّ المبتزين، بينما الواقع يُخفي عمليات كثيرة تبقى طيّ الكتمان نظراً لخوف الضحية من الفضيحة أو خوفها من المبتز.

وينصح العقيد مسلم المرأة الضحية بعدم التردّد أو الخجل من التبليغ منعاً لمزيد من التورّط، وباللجوء إلى الخط الساخن وخدمة ”بلّغ” عبر الاتصال بالرقم 112 لتقديم شكوى بحقّ المبتز؛ ليُصار إلى متابعتها جدّياً للقبض على المُعتَدي.

ينصح العقيد مسلم المرأة الضحية بعدم التردد او الخجل من التبليغ منعاً لمزيد من التورط

ولكن في الختام طالما أن النساء الناجيات يخجلن من التبليغ الرسمي أو حتى تبليغ الأهل حفاظاً على الصورة النمطية التي رسمها لهن المجتمع بوجوب الالتزام بسلوك “أخلاقي” والتقيّد بمفاهيم الصيت والسمعة التي تحفظ سمعة العائلة وكرامتها؛ فإنّ المرأة سوف تبقى ضحية سهلة للمبتزين والمتحرّشين والمتنمّرين وعرضةً لمزيد من العنف الإلكتروني.

التنمّر الإلكتروني

التنمّر الإلكتروني

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015