نساء رائدات من سوريا
صورة عضوات المؤتمر النسائي الأول في دمشق سوريا في عام ١٩٣٠

يرصد هذا المقال، دور المرأة في حقبة زمنية هامة، تعود إلى بدايات القرن الماضي، والحرب العالمية الأولى. كانت فيه سوريا لا تزال ترزح تحت نير الاستعمار التركي؛ الذي امتد إليه الوهن وتسابق الغرب لاقتسام التركة الثقيلة للرجل المريض، والتي قادت إلى فترة الانتداب الفرنسي وكانت مدخلا أطل على تاريخ سورية الحديث.

حقبة معقدة .. كانت فيه سوريا لاسيما في خمسينات وستينات القرن العشرين تخوض صراعات اجتماعية وسياسية وايديولوجية ساخنة لبناء هوية سورية المستقلة، في إطار مد قومى عارم وفتوحات علمية وثقافية واجتماعية وسياسية، انعكست أصداؤها على حياة الشعوب التي ناضلت طويلا ضد استعمار كان يلفظ أنفاسه الأخيرة .

مجموعة من النساء ..المستنيرات، شاء القدر أن يعشن في عصر فريد، جيل مخضرم تلاقت على تخومه أصداء ماض سكوني طويل، وحاضر مسكون بحلم الاستقلال، والثورة على واقع مرير كان كل شي فيه ممنوعا وعيبا وحراما.

مجموعة من النساء رأين أن الحياة تستحق أن تعاش بواقع أفضل، وان الحياة ليست تكايا وحريم، وخضوع أبدي للمجتمع الذكوري.

مجموعة من النساء، استطعن أن يضعن بصمتهن، في تاريخ سورية الحديث، ويهيئن للأجيال القادمة متكأً ليناً.

من المؤكد أن هؤلاء النساء؛ الثلاثين، لايختزلن النساء في عصرهن. ومن المؤكد أن هناك المئات والمئات من النساء.. في القرى والحارات والمنازل والمدارس والمعامل … قدمن الكثير، وشاركن بصمت في صنع الحياة العامة.

كوليت خوري .. الشابة التي نبتت كالزهرة الفواحة في بيت كان فيه الشعر والادب والسياسة والفكر الغذاء الروحي. أمسكت القلم بجرأة وكتبت كل ما يمكن للأنثى أن تختزنه من بوح وحب، في زمن كان فيه مجرد الإشارة إلى هذه المواضيع من التابوهات المحرمة.
ماري عجمي المرأة الدمشقية الجريئة؛ أمسكت بالقلم، ودخلت ميدان الصحافة، وعملت في ميدان كان حكراً على الرجال، وأصدرت مجلة العروس التي كان شعارها أن “الإكرام قد أعطي للنساء ليزيّن الأرض بأزهار السماء.” في وقت كانت فيه سوريا ترزح تحت نير الاستعمار، والعقول يخيم عليها ظلام التخلف والجهل والعادات القديمة.

وكانت ماري عجمي تكتب لخطيبها الثائر على نير الاستعمار و القابع وراء أسوار السجون، تعضده وتشد من أزره. وعندما أعدم نذرت نفسها للأدب وقاومت كل محاولات السلطات الفرنسية استمالتها ورشوتها، واعتبرت الانتداب استعماراً، والجيش الفرنسي جيش احتلال. وكانت خطيبة مفوهة اعتلت المنابر والقت المحاضرات، وشهد صالونها الأدبي في بيتها في باب توما شتى أنواع المناقشات الفكرية والأدبية والسياسية.
ألفة الإدلبي .. الأديبة المرموقة .. والتي خرجت مع رفيقاتها في مظاهرة ضد فرنسا وكان عمرها لا يتجاوز الستة عشر ربيعاً، تفتحت على الحياة في وقت كان فيه الصراع على أشده لاقتسام تركة الرجل المريض، وكانت المنطقة تتأجج تحت وطأة التحولات والتغيرات. تحركت الادلبي واقتحمت عالم الكتابة من بابه الواسع، و انخرطت في نشاطات اجتماعية وثقافية، وكانت من مؤسسات “الندوة النسائية السورية” و”حلقة الزهراء الأدبية” و”جمعية الأدباء العرب” لتكون نواة فيما بعد تساهم في تأسيس اتحاد الكتاب العرب. ناهيك عن قصتها الشهير ة “دمشق يا بسمة الحزن”.
غادة السمان .. المتمردة الأبدية على كل الشرائح الاجتماعية وكل الأنماط السياسية والفكرية، وعلى قسوة الزمن، كتبت أدبا جريئاً و أثارت إشكالية ولغطاً في الأوساط الثقافية العربية. وعرّت كثيراً من المفاهيم والمقولات، وردّتها إلى اسمها الصريح. وفرضت أدباً أقل ما يقال عنه إن لديه كل مقومات الصدق والمعاناة والحقيقة.
عادلة بيهم الجزائري؛ المرأة الثورية التي شاركت في المظاهرات ابان الاستعمار الفرنسي، ودعمت المقاومة السرية بكل الأشكال المتاحة، وأسهمت في تأسيس جمعية دوحة الأدب؛ التي كانت خطوة لإشراك المرأة في الحياة العامة. وتكللت الجهود لإطلاق نواة الاتحاد النسائي في العام 1933.

حقاً إنه زمن الكفاح الجميل؛ قادت فيه هؤلاء النساء .. تحركا رائدا في مقاومة الاستعمار إلى جانب الرجل من جهة ومواجهة التحديات الاجتماعية؛ المتمثلة في هيمنة المجتمع الذكوري، وتجذّر موروثات قيّدت حرية المرأة ومساواتها مع الرجل أجيالاً طويلةً.

قراءة مختصرة لسيرة حياة مجموعة من النساء المستنيرات. وما أصعب أن تختزل حياة الانسان في كتاب؛ فكيف إذا كن رائدات.
وأقول .. ما قيمة الحياة دون هدف .. هدف جميل، قد يتحقق أو لا يتحقق. إذا تحقق فهذا رائع. وإن لم يتحقق؛ يكفي أنه كان هناك هدف ما .. في وقت ما؟

صورة عضوات المؤتمر النسائي الأول في دمشق سوريا في عام ١٩٣٠

صورة عضوات المؤتمر النسائي الأول في دمشق سوريا في عام ١٩٣٠

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015