أن تنجبي طفلاً خارج إطار الزواج في الأردن
أن تنجبي طفلاً خارج إطار الزواج

الأمومة خارج إطار الزواج في الأردن إشكالية لا تتعلق ببنود قانونية بقدر ما ترتبط بثقافة مجتمعية. وتفصل السلطات الطفل عن أمه لحظة الولادة ويؤخد إلى دور رعاية، وتوقف الأم بذريعة “حماية حياتها من الخطر”.

رصيف22- أربع طعنات تلقتها إيمان، إثنتان منها في البطن. كان عمرها ٢٣عاماً وتحمل جنينها الأول، وقد طعنها أشقاؤها بعدما علموا بأمر حملها، هي التي لم تتزوج من قبل.

أخبرت إيمان، وهو الاسم المستعار الذي اختارته عند الحديث مع رصيف22، عائلتها بما تحمله في أحشائها بعدما تقدم أحد أقربائها لخطبتها ووافقت العائلة وكُتب كتابها عليه. حينذاك جُن جنونهم وحاول شقيقها أن يقتلها.

نُقلت إلى المستشفى، وتبيّن أن الطفل مصاب بإحدى الطعنات. كانت في أشهر الحمل الأخيرة، فأُجريت لها عملية قيصرية، وأنجبت مولوداً ذكراً.

سمحت لها الممرضات بالنظر إليه من بعيد، لكنها حُرمت من احتضانه أو حتى اختيار اسم له. فقد نُقل إلى دار رعاية قبل أن تلمسه، وأوقِفت هي في سجن جويدة للنساء، وأُخذ والد الطفل إلى سجن الرجال. بقيت هناك، هي وشريكها، قيد “التوقيف الإداري” خمس سنوات.

“انحبست وانحبس أبو إبني، كل شي كان صعب، شفت الموت وعشت بالحبس. بس أصعب شي كان إني ما عرفت شي عن إبني”، تقول إيمان.

ورغم عدم قانونية سلب الأم حريتها، فإن السلطات تبرر هذا الإجراء بأنه حماية لـ”ضحية محتملة” من خطر الموت.

سجن بداعي الحماية

تعكس قضية إيمان واقع العديد من الأمهات اللواتي أنجبن خارج إطار الزواج في الأردن، إذ تلجأ السلطات الأمنية إلى فصل المولود عن الأم لحظة ولادته. ويتم تسجيله دون ذكر إسم الأب أو الأم ومن ثم يجري إرساله إلى دور الرعاية. ثم يحصل توقيف الأم إدارياً في السجون بذريعة “حماية حياتها من الخطر”.

وهو إجراء تتخذه السلطات مع أي سيدة “مهددة بالخطر”، كالضحايا المحتملات لجرائم بداعي “الشرف” في بلد سُجل به خلال العام 2016 نحو 8 جرائم من هذا النوع.

تنص المادة 157 من قانون الأحوال الشخصية على نسب المولود لأمه عند الولادة، فيُذكر اسمها في السجلات، كما ينص على أن للأم أولوية رعاية الطفل.

إلا أن هناك قوانين أخرى معاكسة تحرم الطفل من هذا الحق، كقانون الأحوال المدنية، إذ تنص المادة 20 منه على أن المولود الـ “غير شرعي” لا يُذكر اسم والده أو والدته في سجل الولادة، إلا بناءً على طلب خطي من كليهما، أو من أي منهما مؤيداً بحكم قضائي قطعي. إذ ذاك يختار أمين مكتب التسجيل اسماً للوالدين، ويعتبر باطلاً كل تسجيل لولادة تم خلافاً لأحكام هذه المادة فيما يتعلق بذكر اسم الأب والأم.

وتبرر الجهات الحكومية النص القانوني بأنه يتماشى مع طبيعية المجتمع الذي يرفض فكرة انجاب طفل من دون زواج.

وقد بلغ متوسط عدد حديثي الولادة الذين يحملون اسم والدتهم ولا يُعرف اسم الأب ويدخلون مؤسسة الحسين الاجتماعية المعنية برعايتهم  نحو 70 طفلاً.

ويؤكد الدكتور فواز الرطروط، الناطق الرسمي باسم وزارة التنمية الاجتماعية، أن “الوزارة، كجهة تنفيذية، مسؤولة عن رعاية هؤلاء الأطفال لحين حل اشكاليتهم، وتتسلم الأطفال من الجهة الامنية المعنية”.

حلم لم يتم

تدخلت منظمة القانون لحقوق الإنسان، ميزان، في قضية إيمان بعد خمس سنوات من حبسها. فأخبرتهم برغبتها بالخروج من سجنها والزواج من والد الطفل، علّها تستعيد ابنها.

فقدمت المنظمة المساعدة القانونية للحصول على فسخ عقد قرانها الأول، وتزويجها من والد الطفل، وعقدوا مصالحة مع عائلتها بعد مقاطعة استمرت طوال فترة حبسها.

اعتقدت إيمان حينها أن خروجها من السجن سيكون نهاية معاناتها، وأنها ستضم طفلها وتبني عائلة طبيعية. ولكن هذا لم يتم.

رفض الزوج نسب طفلهما “الناتج عن نزوة” له. وحينما بحثت إيمان عن الطفل، أعلمتها وزارة التنمية الاجتماعية أن عائلة بديلة احتضنته واعتنت به. عندئذ تيقنت أن حلمها انهار.

تقول: “فرص إنه ابني يرجع الي صارت مستحيلة، أبوه رفض إثبات النسب وبدون إثبات نسب ما رح أقدر أستعيده، الشي الكويس إني بعرف انه بخير، يمكن بعد سنين لما يكبر يسأل عني وقتها يمكن يسامحني”.

توقيف قد يصل إلى عشرين عاماً

تؤكد المحامية إيفا ابو حلاوة، مديرة ميزان، أن أمهات الأطفال المولودين خارج إطار الزواج يعانين من تمييز كبير. تقول: “يتم إيقافهن مدة قد تصل إلى15 و20 عاماً تحت ذريعة حماية حياتهن، وتحرم الأم من احتضان طفلها وتوفير أبسط احتياجاته بذرائع غير مقنعة”.

ويساعد برنامج بداية جديدة الذي ترعاه المؤسسة، النساء الموقوفات إدارياً على الخروج من السجن بتقديم الدعم اللازم لهن، وعلى استعادة أبنائهن. وقد استطاعت المجموعة تسجيل نجاحات في بعض قضايا إثبات النسب، بحسب أبو حلاوة.

لكن سير البرنامج يصادف عراقيل دائمة، أهمها رفض الآباء الإقرار بنسب الطفل، فتبقى الأم في السجن والطفل في دور الرعاية.

الخوف على الطفل… من والدته!

هنالك إشكالية أخرى تلفت إليها أبو حلاوة تتعلق بحرمان الأمهات اللواتي أنجبن خارج إطار الزواج من استخدام الحضانة في السجون. فرغم وجود مكان مخصص لرعاية أبناء النزيلات بالقرب من الأمهات ليتمكن من رؤية الأبناء، تُحرم من ذلك الأم التي أنجبت بدون زواج.

علماً أن تعليمات الحضانة لا تنص صراحة على استثناء من أنجبت بلا زواج من الخدمات. لكن تعليمات الدار تشترط عدم وجود عوامل خطورة على الطفل في حال بقائه، وترى وزارة التنمية الاجتماعية وإدارة السجن أن الأم هي وجه الخطورة على إبنها، ويجب إبعادها عنه على اعتبار أن حملها به لم يكن مرغوباً فيه.

لكن ماذا بشأن الأجنبيات؟

تبرر الحكومة إجراءات فصل الأم عن الابن والتوقيف بأنهما حماية للسيدة الأردنية من المجتمع الذي قد لا يتقبلها.

لكن ما هو التبرير حينما تكون الأم من جنسية مختلفة؟  فهي تواجه المشكلة نفسها، إذ يتم توقيفها في السجن في حال انجابها طفلاً خارج إطار الزواج ولا يتم الإفراج عنها سوى بقرار تسفيرها هي والطفل.

وفي بعض الحالات، يكون وضع الأم في الأردن غير قانوني، كالعاملات في خدمة المنازل، فيزداد الأمر تعقيداً، ويصبح عليهن تصويب وضعهن في البلاد، وتحرم الأم في تلك الفترة من حقها في رعاية طفلها.

تقول لندا كلش، مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة، والذي يقدم المساعدة القانونية للعمالة المهاجرة، أن في الأردن عشرات الآلاف من عاملات المنازل من جنسيات مختلفة وثقافات متنوعة، وتسمح بعض هذه الثقافات بأن تكون الأم عزباء دون أن تُحرم من أبنائها.

تقول كلش: “لا تستطيع الأم توثيق قيود الأبناء وبالتالي تحرم من اصطحابهم عند العودة إلا إذا تدخلت سفارة بلدها ومنحتهم جنسيتها”.

يدفع ذلك الكثير من العاملات إلى وضع الأبناء في المنزل دون تسجيلهم أو استخراج أوراق ثبوتية لهم، خوفاً من أن يفقدن فلذات أكبادهن. ويقمن برعاية الأطفال في الخفاء، دون أن يحصلوا على الرعاية الصحية اللازمة أو ينتسبوا إلى المدارس.

تشير كلش إلى قصة ماري، العاملة الفلبينية التي رعاها مركز تمكين، بعدما أنجبت في المنزل طفلاً من رجل أردني، ولم تستخرج له شهادة ميلاد. وحينما أرادت العودة به إلى بلادها، منحت السفارة الجنسية للطفل واستطاعت الخروج به.

ثقافة مجتمعية

لبث ملف التوقيف الإداري للنساء المعرضات للخطر محط انتقاد في التقارير الحقوقية على مدار سنوات، كما ورد في تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان وتقارير الخارجية الأمريكية وتقارير مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

مما شكل ضغطاً على الحكومة التي أعلنت أخيراً إنشاء دار جديدة للنساء المعرضات للخطر لتكون بديلاً من السجن.

لكن الدار في نهاية الأمر سجن آخر. كما أن إشكالية فصل الأم عن الطفل تتكرر فيه، فلا توجد بالقرب منه حضانة ولا تنص قوانينه على إمكانية مكوث الأطفال مع أمهاتهم فيه.

قد يصطلح الأهل فيما بينهم، وتحصل تسوية تنتهي بزواج الأم والأب، وتخرة الأم من سجنها كما حصل مع إيمان. لكن يبقى الطفل في دور الرعاية من دون إثبات نسبه.

والسبب، بحسب اختصاصية اجتماعية تعمل في هذا المجال وفضلت عدم ذكر اسمها، هو العار الذي يحمله هذا الطفل الذي جاء قبل الزواج.

وتقول الاختصاصية الاجتماعية: “لذلك قد تجد طفلاً غير مثبت النسب يعيش في دار رعاية، وله أشقاء وشقيقات من الأبوين نفسيهما، لكن نسبهم مثبت ويعيشون مع ذويهم”.

وهو ما حصل مع إيمان. فبعد خروجها من السجن، وارتباطها بوالد طفلها الأول، أنجبت ولداً آخر يبلغ من العمر اليوم 4 أشهر. وهي سعيدة باحتضان ابنها الثاني، لكنها حزينة في حياتها.

عادت المحبة بينها وبين أسرتها، بعدما قضى شقيقها الذي طعنها وقتاً في السجن بتهمة الشروع في القتل. لكن الذنب تجاه ابنها الأول الذي لم تلتقِه يخنقها ويزداد كل يوم. تهوّن على نفسها بأنه يعيش مع عائلة تحبه. لكن قلبها يخبرها أنه سيبقى محروماً من حبها.

وتبقى مسألة الأمومة خارج إطار الزواج في الأردن إشكالية قائمة، لا تتعلق ببنود قانونية بقدر ما ترتبط بثقافة مجتمعية، تجعل النساء ضحايا محتملات لجرائم القتل، والأطفال ضحايا دون هوية، إلا قلة منهم يرحمها الأب ويقرر الاعتراف بها.

أن تنجبي طفلاً خارج إطار الزواج

أن تنجبي طفلاً خارج إطار الزواج

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015