نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا للكاتب أنتوني لويد، يقول فيه إن الطريق إلى مدينة الرقة كانت مليئة بالقماش الأسود، حيث كانت النساء الفارات يلقين بالعباءات والحجاب والنقاب عندما يشعرن أنهن وصلن إلى بر الأمان؛ فرارا من تنظيم الدولة.
وينقل التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، عن المقاتل الشاب من قوات سوريا الديمقراطية، قوله في الوقت الذي حرك فيه القماش المطروح على الأرض ببسطاره: “يمكنك أن ترى كيف تنظر تلك النساء إلى قوانين تنظيم الدولة مما يلقينه على الأرض”.
ويشير الكاتب إلى أن المقاتل نظر أبعد من قرية الرويان، التي تبعد 20 كيلومترا شمال الرقة، إلى عاصفة رملية ملأت ما بين السماء والأرض بالغبار، وقال: “أول شيء يفعلنه حين يريننا هو إلقاء النقاب”.
وتذكر الصحيفة أن آلاف النساء عبرن من خلال هذه الخطوط، هاربات من الرقة ومن القرى المحيطة بها، في الوقت الذي بدأ فيه تنظيم الدولة يترنح، وقالت السلطات في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا إن أكثر من 100 ألف شخص هربوا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، واصفة إياه بأنه رحيل لم يشهده العالم الخارجي تقريبا.
ويلفت التقرير إلى أن الصحراء في شمال الرقة مليئة بهؤلاء النازحين، الذين هربوا إما على الأقدام، أو بواسطة الآليات الزراعية، ومعهم أغلى ممتلكاتهم، حيث استغلوا الفرصة بسبب التقدم الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية، وضعف قبضة تنظيم الدولة.
ويقول لويد إن الكثيرين انتقلوا عدة مرات خلال الحرب، التي دامت ست سنوات، حيث هربوا أنفسهم وعائلاتهم عبر خطوط النار، الواحد تلو الآخر، كلما مزق العنف الملاذ الذي لجأوا إليه، وأصبحت حياة النساء مقيدة أكثر كلما سافرن أعمق في حدود تنظيم الدولة.
ويضيف الكاتب أن معظم النساء يتخلصن من ملابسهن السوداء بمجرد وصولهن إلى أول موقع من مواقع قوات سوريا الديمقراطية، وتقترب وحدات هذه القوات، التي تدعمها أمريكا، من الرقة من ثلاثة اتجاهات.
ويقول لويد إن “أم لميس، البالغة من العمر 33 عاما، وهي أم من الرقة، قالت في الوقت الذي جلسنا فيه في ظل شجرة، نتحدث عن هروبها قبل يومين عبر خطوط النار: (أصبح النقاب يرمز إلى الشعور الخانق الذي عانيناه تحت سيطرة تنظيم الدولة)”.
وتضيف أم لميس: “أخرجني النقاب من شعوري بأني متفاعلة مع العالم الخارجي، وأصبحت نساء الرقة يكرهنه أكثر من أي شيء آخر؛ ولذلك مزقته بمجرد ما وصلت إلى قوات سوريا الديمقراطية.. وكان الأمر كأنني عدت أتنفس”.
وتجد الصحيفة أن روايات النساء الفارات من أكثر البيئات إغلاقا وخنقا على الأرض تظهر أن تنظيم الدولة لا يقوم بقمع النساء فقط، لكنه يستمتع بوحشية ذلك القمع.
وينوه التقرير إلى قول أم لميس في الوقت الذي كانت تحتضن فيه ابنتها، البالغة من العمر 3 سنوات: “أرغمت على مشاهدة قطع رؤوس أكثر مما يمكنني أن أتذكر.. ولا يمكنك أن تتوقع -كونك رجلا أو امرأة- أن تشاهد شيئا من ذلك، ومع ذلك كنا نرغم على مشاهدته”، ووصفت عملية صلب لرجل اتهم بالتعاون مع التحالف.
وتضيف أم لميس: “أمرت أن أخرج من المقعد الخلفي في سيارة زوجي لمشاهدة رجل يربط إلى صليب، وكان يتوسل أن يعفى عنه، لكن الأمير طعنه بالسكين في صدره، وأطلق الرصاص على رأسه، وترك على الصليب لمدة ثلاثة أيام ليكون عبرة، وحفر المنظر في دماغي، وتخيلت أنني لن أستطيع النوم بعد ذلك”.
ويورد الكاتب أن أم علي، البالغة من العمر 60 عاما، التي هربت قبل أم لميس بأسبوع، اضطرت لأن تشاهد ابنها يضرب ابنتها في قرية جنوب الرقة، حيث بدأ الأمر عندما مرت دورية من الشرطة الدينية التابعة لتنظيم الدولة “الحسبة”، ولاحظت الدورية أن الابنة نزعت النقاب، فاعتقلوا العائلة، وتأكدوا من لبس الفتاة للنقاب، ثم مضوا بهم إلى المقر الرئيسي في القرية.
وقالت أم علي للصحيفة: “ابتداء، ضربوا ابني البالغ من العمر 20 عاما 70 جلدة على ظهره، مستخدمين العصى؛ وذلك عقوبة له لسماحه لأخته بارتكاب هذا الذنب، ثم أجلسوا ابنتي على كرسي، وكان يقف حارسان، واحد عن يمينها والآخر عن يسارها، وأمروا ابني بضرب ابنتي بالعصا ذاتها التي ضرب بها”، مشيرة إلى أنه عندما حاول ضربها دون أن يؤذيها، فإنهم هددوه بالضرب ثانية، فضربها 50 جلدة كما أمروه.
ويفيد التقرير بأن “النساء أجبرن على الخضوع لقوانين شبيهة بتلك التي خضعت لها النساء تحت حكم حركة طالبان في أفغانستان، حيث لا يمكن للمرأة الخروج دون محرم، وحتى الشمس أصبحت عليها قيود، فأمر الناس بإغلاق الستائر ونوافذ بيوتهم؛ كي لا يرى المارة النساء في البيوت، وأي تجاوز في قواعد اللباس يؤدي إلى إما الخضوع لدورة تعليمية مدتها 15 يوما، أو للجلد، وهذا يعتمد على حجم المخالفة وميول الحسبة”.
ويكشف لويد عن أن النساء كن يخشين من فرع الحسبة المتخصص بالنساء، والمسمى لواء الخنساء، بشكل خاص، حيث أن هذا اللواء يضم نساء المقاتلين الأجانب والنساء المتطرفات المحليات، اللاتي انضممن إلى التنظيم، أو النساء اللواتي اضطررن للانضمام بسبب الحاجة، وتقول أم لميس عن أولئك النساء: “كن قاسيات، وسرقن من بيوتنا خلال مداهمات التفتيش، ويبدو أنهن كن يستمتعن بإصدار أوامر الجلد”.
ويستدرك الكاتب بأن “أرامل تنظيم الدولة الفارات وجدن قبولا حقيقيا بين تلك النساء، وقالت لي أم لميس إن الكثير منهن لم يكن لهن رأي في خيار زوجها، أو أن زوجها المتوفى انضم للتنظيم بسبب الفقر”.
وتقول أم لميس للصحيفة إن المفارقة هي أنها كانت في لحظة تحت حكم تنظيم الدولة، حيث يحكم الرجل، ولا تستطيع المرأة أن تظهر وجهها، ثم تلتقي فجأة بوحدات عسكرية كردية من النساء الحاسرات عن رؤوسهن.
وتختم “التايمز” تقريرها بالإشارة إلى أنه يزعم أن ما يوصف بالمناطق الكردية “رجافا” تحكمها مجالس محلية يتم انتخابها، وتؤدي النساء فيها دورا مهما، ما أبهر النساء الفارات من الرقة عندما وصلن الى تلك المناطق، ورحبت بهن المقاتلات الكرديات.