عبير العلي/الوطن السعودية- قد يكون من فرط التفاؤل أن نطمح أن نكون مثل تونس في قوانين الأحوال الشخصية وقوانين المرأة والطفل، ولكننا قادرين للاقتراب من هذه المنطقة.
كان عيد المرأة التونسية الذي يوافق كل عام يوم 13 أغسطس ساخناً هذا العام بسبب الكثير من الأحداث والتغييرات التي كثر الجدل حولها في شؤون مهمة للمرأة في تونس. وتونس قبل هذا العيد تعدّ من الدول المتقدمة حضارياً ومدنياً في شؤونها كافة وفي شؤون المرأة على وجه الخصوص، فمنذ أكثر من نصف قرن حينما أسس رئيسها السابق الحبيب بورقيبة النظام الجمهوري عام 1957 وأصدر بعده بعام دستوراً جديداً يتعلّق بتشريعات سياسية وقوانين للأحوال الشخصية تعد الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي والإسلامي تنويراً وحداثةً، خاصةً في قضايا المرأة التي ما زال الكثير يتجادل في شأنها حتى الآن، كتحديد سن الزواج القانونية وقوانين الطلاق والتعدد والإرث.
وهذا ما استمرت تونس بالعمل عليه في السنوات التالية حتى بعد حرائق الربيع العربي من قدرتها على الحفاظ على القوانين المدنية، والتي تعنى بالأحوال الشخصية وتساوي بين المواطن والمواطنة في الحقوق والواجبات والحريات الفردية والعامة وتهيئة أسباب العيش الكريم.
قبل عيد المرأة التونسية بأيام في نهاية شهر يوليو الماضي أقرّ البرلمان التونسي بالإجماع قانون حماية المرأة ومكافحة العنف ضدها أياً كان نوعه: نفسياً أو معنوياً أو جسدياً، ومن ضمن مواد هذا القانون إلغاء أحد البنود في القانون الجنائي الذي كان ينص على إسقاط الملاحقة القانونية على الرجل إذا تزوج ممن قام باغتصابها، ومنح ضحايا العنف من النساء المساعدة القضائية والنفسية.
هذا القانون كانت المرأة التونسية تنتظر إقراره، وتعده انتصاراً عظيماً لقيّم العدالة والمساواة والحرية التي تؤمن بها تونس وتتزعم فيها العالم العربي والإسلامي، والذي لا يعجب بطبيعة الحال المتشدّدين الذين اعتادوا على الإساءة للمرأة وقمعها وتغييب حقوقها داخل أو خارج تونس.
مثل مشروع التغيير الجذري هذا التي بدأته تونس سابقاً وأعلنت الاستمرار فيه اليوم لن يقابل بالتأييد التام من المجتمعات ولا المؤسسات الدينية، خاصةً وأنه يتعلق بالمرأة التي تكون شؤونها مثار جدل وصراع وتأجيل ثم تجاهل وتجاوز. وتزعم قمة هرم السلطة التونسية منحه مصداقيةً في الرغبة بمتابعة التنوير والانتصار للمرأة والوقوف معها، وما تبعه من تأييد من السلطة الدينية الرسمية المتمثلة بدار الافتاء يمنحه بعدا آخر من المصداقية والجدة.
والمعترضون تمتد أصوات شجبهم واستنكارهم لهذا التغيير الذي تنوي تونس القيام به لصالح المرأة من داخل تونس حتى خارجها في خوفٍ واضح من عدوى طلب الحقوق.
وبغض النظر عمّا أشار له الرئيس التونسي بضرورة بحث مقاصد الأدلة الشرعية والاجتهاد في استنباط الأحكام والتشريعات بما يتوافق مع تغيّرات العصر وضرورات الحياة، فلعلّ الدول العربية والإسلامية أن تستفيد من التجربة التونسية في مجال حقوق المرأة.
تعنيف المرأة النفسي والجسدي والمالي يوجد في كافة البلدان العربية كما يوجد لدينا، وأحداث الاعتداء بالضرب والشتم والإهانة، وسلب الحقوق المالية وإخضاع المرأة البالغة لسن الرَشَد لوصاية رجل يهتم لمصالحه فقط، واستغلال الموارد المالية للمرأة بسبب الوصاية الذكورية، فضلاً عن التزويج بالإكراه أو عضل الفتيات ومنعهن من الدراسة أو العمل، والتعامل مع المرأة كمواطن من الدرجة الثانية في حقوق السكن والمواصلات والوصاية.
كل هذا وغيره من القضايا التي يمتلئ بها المجتمع ينبغي أن يكون لها قانون مدني يحمي المرأة ويضمن حقوقها كإنسان ومواطن له حقوق كما عليه واجبات يقدمها. والمطالبة بقانون حماية المرأة من المطالبات القديمة والدائمة التي قدمها بعض أعضاء مجلس الشورى في دورات مختلفة ولا يتم البت فيه أو أخذه على محمل الجد، بالرغم من الحاجة الماسة له في الوقت المعاصر.
أما قوانين الإرث وتعامل المجتمع مع حقّ المرأة في الإرث، فهي مثل كثير من حقوق المرأة يتولاها الرجل ويبت فيها القضاء وتغلب عليها تنازل المرأة عن حقوقها أو بعضها تحت ضغط عائلي أو تهميش اجتماعي، وتوجد قبائل وأسر كاملة لا تعترف بحق المرأة في الإرث فضلا عن أن تنال نصفه أو ربعه أو أي فتات منه. والحُجّة أن الرجل أحق به بالرغم من أن المرأة تكاد تكون هي المعيلة الأولى والوحيدة لنفسها وأسرتها وتسعى لإرضائهم بالتنازل عن بعض حقوقها لتنال البعض الآخر.
قد يكون من فرط التفاؤل أن نطمح أن نكون مثل تونس في قوانين الأحوال الشخصية وقوانين المرأة والطفل بالذات، ولكننا قادرين على الاقتراب من هذه المنطقة إذا استمر سعي من لديه القدرة للطلب بتمكين المرأة عملياً من حقوقها بوضع القوانين الواضحة التي تحميها أولاً، وثانياً تكفل حقوقها كافة، وتعاملها ثالثاً كإنسان سوي قادر وكمواطن يقدم واجباته كاملة كالرجل ويريد حقوقه بالمقابل دون نقصان.