التشريع بيد نساء سورية.. فهل من أمل..؟

إيمان أحمد ونوس/ موقع جريدة النور – ليس غريباً على المرأة السورية أن تصل إلى منصب رئاسة السلطة التشريعية، وأن تُمثّل الحالة الفريدة والوحيدة في المنطقة العربية. فلقد كانت أول امرأة تحصل على حق التصويت ومن ثم الترشّح منتصف القرن الماضي، ومن ثم توالت في الصعود قدماً نحو مستقبل صنعته بدأبها وإصرارها وعنفوانها الذي أهّلها للوصول إلى مناصب قيادية ومراتب علمية تليق بها حقيقةً، أوَليست سليلة إمبراطورات أمثال جوليا دومنا وأخواتها، وملكات اعتلين العروش كزنوبيا..؟ أليست حفيدة مريانا المراش أول سيدة عربية تكتب المقالات الصحفية عام،1870 وكذلك الرائدات اللواتي اقتحمن الحياة العامة، وناضلن كثيراً لإسماع صوت المرأة، عبر مشاركتهن في الحياة العامة والسياسية مُخلّفات بصمة واضحة لا يمكن إنكارها، أمثال لبيبة هاشم التي أصدرت عام 1906 مجلة (فتاة الشرق)، وتبعتها ماري عجمي التي كانت أوّل امرأة رفعت شعار المقاومة النسائية ضدّ العثمانيين وأصدرت أول صحيفة نسائية عرفتها دمشق هي(العروس) عام ،1910 وتابعت رائدات النضال الوطني تصدّيهن للظلم الذي فرضته السلطنة العثمانية عبر جمعيات ذات أهداف نضالية وتنويرية كجمعية يقظة الفتاة العربية عام،1915 وكذلك نازك العابد التي أسست جمعية نسوية ومدرسة للفتيات حملتا اسم (نور الفيحاء).

وما دمنا نتحدث عن وصول أوّل امرأة سورية إلى رئاسة مجلس الشعب، فلا بدّ لنا أن نتذكّر رائدة العمل النسائي في سورية (ثريا الحافظ) صاحبة أول منتدى أدبي في الشرق مثلما هي أول سورية ترشّح نفسها للانتخابات عام،1935 ولذا، استطاعت المرأة أن تكون فاعلة، وأن تقلب موازين المعادلة السياسية في انتخابات عام 1954 بسعيها للوصول إلى المرشّح الذي يدعم تحررها ومشاركتها في الحياة السياسية، إذ وقفت الناخبات السوريات مع قائمة خالد العظم وخالد بكداش، وكانت النتيجة أن فازا بالانتخابات بسبب تأييد النساء لهما.

لقد مُنحت المرأة السورية حق الانتخاب عام1949 شرط أن تكون متزوجة ومتعلمة، لكن دستور 1950 منح جميع النساء حق الانتخاب، وفي عام 1954 مُنحت المرأة حق الترشّح، إلاّ أنه لم تدخل أي امرأة إلى البرلمان السوري إلاّ بعد انتخابات 1973حين دخلت 5 نساء إلى البرلمان من أصل 186 واستقرّ تمثيل المرأة على قوائم الجبهة الوطنية التقدمية بنحو12% أي حوالي 30 مقعداً من أصل 250 حتى وقتنا هذا. إلاّ أنه تجدر الإشارة إلى أن المرأة السورية قد وصلت إلى البرلمان زمن الوحدة ما بين سورية ومصر، ولكن عبر قرار سياسي محض من السلطات العليا، إذ كان في عداد ممثلي القطر السوري سيدتان هما جيهان الموصلي ووداد هارون.

واليوم، ونحن ننظر في وضع المرأة السورية في عهود مضت، لا يمكننا إلاّ أن نقارنها بما وصلت إليه المرأة اليوم سواء في المكانة العلمية والقيادية التي تشغلها، أو مدى فاعلية حضورها وتأثيره في الحياة العامة أو حتى الخاصة، وذلك بسبب التراجع الكبير لوضع المرأة في المجتمع، ودور الحركات النسائية المعاصرة لأسباب ذاتية وموضوعية تتركّز في نقاط أساسية أهمها:

– تردّي نظرة المجتمع إلى المرأة ومحاولة حصرها في أداورها التقليدية والنمطية، وبالتالي انكفاء غالبية النساء على أنفسهن، وقناعة الكثيرات بأنهن ما خلقن للعمل السياسي.

– عدم وجود قانون جمعيات عصري وعملي يواكب المتغيّرات الحاصلة سواء على مستوى وضع المرأة، أو على مستوى المجتمع ككل، وهذا ما انعكس سلباً على الحركة النسائية، وبالتالي افتقارها إلى الآليات وأساليب الضغط اللازمة لتحقيق الحد الأدنى من مطالب النساء.

–  ضعف التواصل والتنسيق بين هذه الحركات وجماهير النساء، أو انعدامه، لاسيما على المستوى الشعبي، مما جعل غالبية النساء لا تميّز بين تلك الحركات وباقي التنظيمات الشعبية والأهلية الأخرى، وربما لا تعلم بوجودها.

– سيطرة القرار السياسي على هذه الحركات وتقييد آلية عملها في إطار محدد، مما جعلها في نظر المجتمع من جهة منظمات سياسية غير محبّذ العمل معها أو الاقتراب منها، ومن جهة أخرى وأهم أنه أفقدها دورها الفعلي في مسألة التنوير والتثقيف والمطالبة الجادة بحقوق النساء، مكتفية بتقديم التقارير والتوصيات، وبالتالي عدم تمكّنها من تأهيل كوادر نسائية قوية تصل إلى مراكز صنع القرار.

إن هذه العوامل مجتمعة أدّت للانكفاء والاكتفاء بحضور صوري للمرأة في الحياة السياسية ومراكز صنع القرار عبر مبدأ الكوتا النسائية القائم على النسبية والمحاصصة، والبعيد في الوقت ذاته عن وصول كوادر نسائية كفأة ومؤهّلة للقيام بواجبها نحو النساء بفاعلية وحيوية حقيقية ترتقي وتصل بهنّ إلى حقوقهنّ التي أهدرتها القيم الدينية والاجتماعية المتخلّفة، وهذا ما حدا بمجلس الشعب في دور تشريعي سابق إلى رفض مناقشة تعديل قانون الجنسية بما يسمح للمرأة السورية منح جنسيتها لأبنائها من أب غير سوري، وكذلك محاولة بعض أعضاء اللجنة المكلفة بدراسة القوانين التمييزية ضدّ المرأة (وبعضهم نساء) العرقلة ورفض تعديل بعض القوانين الجائرة بحق المرأة، مما يجعلنا اليوم ونحن في غمرة وصول أول امرأة إلى منصب رئيس مجلس الشعب أن نُحيي الأمل في نفوسنا، وإن كان ما زال واهياً، لنضع كل آمالنا وأحلامنا كنساء بأن تكون هذه الحالة الفريدة، فريدة حقاً وبفاعلية، ونقلة نوعية إيجابية في مختلف مجالات الحياة، باعتبار المرأة واهبة وصانعة الحياة والأجيال، وأن تغدو كل تلك المطالب في حيّز الواقع العملي والرؤية الصائبة والمُنصفة من أجل وصول المرأة السورية إلى حقوقها كاملة، لاسيما أنها بعد سنوات خمس من حرب أتت على كل شيء، وتركتها وحيدة وعارية إلاّ من إصرارها وعزيمتها للوقوف بصبر لا مثيل له من أجل أن تستمر الحياة، وأن تعود سورية لعموم أبنائها بلداً علمانياً ديمقراطياً رائداً في كل المجالات، لاسيما فيما يخص النساء كسابق عهدها.

 

مجلس الشعب السوري

مجلس الشعب السوري

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015