الحرب تفتك بعادات المناسبات، والسوريات يجدن البدائل
حفل زفاف لاجئ ولاجئة سوريين في مخيم في اليونان/ بي بي سي

مجلة ميم- لطالما كانت “هديل” تحلم بليلة العمر وترتيباتها بتفاصيلها المختلفة وطقوسها التي عاشتها وشهدتها خلال سنوات حياتها، بدءاً من حفلة الخطوبة مروراً بعملية التجهيز لحفل الزفاف واختيار الذهب والملابس وبدلة الزفاف وقاعة الأفراح وشهر العسل، لتبدأ حياتها الزوجية بعد أن تمر بكل تلك المراحل.

لكن تلك الفتاة السورية الآن تراجع سقف طموحها لمجرد حفلة صغيرة يحضرها المقربون والاستغناء عن كل ماسبق، بعد أن دمرت الحرب الدائرة منذ 6 سنوات البشر والحجر وقضت على طقوس ليلة العمر.

قصة هديل ذات الـ29 ربيعاً ماهي إلا واحدة من ملايين القصص لفتيات سوريات ضربت الحرب أحلامهن. أنهكت الحرب السوريين واستنزفتهم من كل النواحي، فتغيرت الكثير من العادات والتقاليد وحلت مكانها بدائل بتكاليف أقل، للدلالة عن أن الفرحة رغم بساطتها ستظل ترتسم على وجوه السوريين، رغم آلة القتل التي تفتك بهم.

الفضة بديلاً عن الذهب وفستان زفاف مستأجر

تقول هديل، وهي إحدى الفتيات المقبلات على الزواج في العاصمة السورية دمشق، في حديثها لـ مجلة ميم “لم يعد شرط الحصول على الذهب أساسياً لمشروع الزواج، نظراً لارتفاع سعر الغرام منه، والذي وصل لـ17400 ليرة سورية (ما يعادل 35 دولار)، فتم الاكتفاء بخاتم ذهبي واحد فقط”.

في حين تعتبر “أماني” المتزوجة في مدينة دمشق حديثاً أن “حتى الذهب لم يعد ضرورياً هذه الأيام، حيث تمت خطبتي بخاتم فضة فقط، وقمنا بتوفير المال لأشياء ضرورية أكثر لبناء عش الزوجية، فـ”الأسعار اليوم لاترحم أحدا”.” على حد تعبيرها.

كان القرار محسوما لدى هديل، ومن قبلها أماني، من حيث ترتيبات يوم الزفاف.  فبدل الذهاب للسوق واختيار بدلة الزفاف البيضاء في ليلة العمر، كان خيارهما بدلة مستأجرة لهما ولشريكي حياتهما، كون أسعارها هي الأخرى أصبحت مرتفعة جداً.

وفي بحثنا عن أسعار بدلات الزفاف في السوق السورية، كان سعر البدلة من النوع المتوسط حوالي 400 ألف ليرة سورية (مايعادل 800  دولار) ومن النوع الجيد حوالي 650 ألف ليرة (1300 دولار).

ويصل سعر بعض البدلات لنحو مليون ونصف ليرة سورية (3000 دولار)، أما البدلة المستأجرة، فيبلغ ثمن أجرتها في الليلة الواحدة 75 ألف ليرة (150 دولار) وهو مبلغ ليس بقليل في سوريا فهو يساوي تقريباً راتب موظف لمدة شهرين.

حفلات خجولة

يحدثنا “سامر”، وهو شاب مقبل على الزواج ويعمل في شركة للقطاع الخاص، عن ترتيبات حفل الزفاف، فيؤكد أنها اختلفت كلياً في فترة الحرب، حيث كانت الحفلة تتم في المساء إلى منتصف الليل في قاعة مخصصة لذلك، وتتم دعوة عدد كبير من الناس يصل لـ500 شخص من رجال ونساء، ويتم جلب “العراضة” وهي فرقة تقوم بأداء الأهازيج الشعبية احتفالاً بالمناسبة، وتقديم المأكولات والحلويات للأشخاص المدعوين.

ويتابع الشاب الثلاثيني حديثه “الآن، تلاشت هذه الأمور بشكل كبير، فطبيعة الحرب غيرت الكثير منها، وأصبح الحفل يقام بين فترة العصر والمغرب لمدة 4 ساعات مع وجوب الحصول على موافقة أمنية مسبقة. لذلك، سأقتصر على حفلة صغيرة تتم في المنزل وأدعو إليها المقربين جداً من أهلي ومن أهل العروس، كون التكاليف أصبحت مرتفعة. فحجز صالة الأفراح حالياً بـ300 ألف ليرة (600 دولار)، وفي حال رغبنا بإحضار العراضة والأمور المتبقية قد تصل التكلفة لـ750 ألف ليرة (1500) دولار وهو مبلغ لا طاقة لي به كما معظم الشباب في سوريا”.

ومنذ 2011، ومع انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سوريا، ارتفعت تكاليف الزواج عشرات الأضعاف. وترافق ذلك مع تراجع في نسبة الإقبال على الزواج للعجز الاقتصادي لدى الشباب ولهروب نسبة كبيرة منهم نتيجة الحرب الدائرة، وارتفاع نسبة البطالة وضعف الأجور لمن تبقى منهم، وعزز هذا معدلات العنوسة التي وصلت إلى 70% وفق إحصائية رسمية.

كما حلت سوريا في المرتبة الثانية من حيث العنوسة في الوطن العربي، حسب إحصائية قامت بها إحدى مراكز الأبحاث في هولندا.

تغير عادات الأكل

أضعفت الحرب قدرات الأسرة السورية المادية، وشطبت الكثير من عاداتها وتقاليدها المختلفة التي استبدلها السوريون بخيارات أقل تكلفة تتناسب وأوضاعهم.

وتشير دراسة أصدرها مركز “فيريا” في برلين، أن متوسط دخل الأسرة السورية ونفقاتها يقدر بـ180 ألف ليرة سورية (360 دولار) في حين لايتجاوز دخلها الحالي 40 ألف ليرة (80 دولار).

تقول “أم هاني”، وهي ربة منزل سورية “إنه من النادر أن تجد عائلات تحضّر طبخات دسمة، كالكبة والشاكرية والملوخية واللحم والمشاوي، فأكلة (الكبة) في حال أردنا صنعها، أقل تكلفة لها لأسرة مكونة من 5 أشخاص ستكون حوالي 15 ألف ليرة (30 دولار)، أي نصف راتب موظف تقريباً.”

وتضيف “هناك بعض الأسر الأخرى حافظت على العادة، لكن بتعديل جذري على المكونات، فبدلاً من اللحم، وضعوا البطاطا لتنخفض التكلفة حوالي 4000 ليرة سورية، وتتواصل من أجل الحفاظ على عادة موروثة”.

وعن البدائل الحالية تابعت بالقول “المجدرة والمقالي والبطاطا، هي السائدة على الرغم من ارتفاع أسعار مكوناتها، لكنها مقبولة نوعاً ما مقارنة بباقي الطبخات.. وفي حال رغبنا في الحصول على البروتينات الحيوانية، نقوم بشراء الدجاج عوض اللحوم كونه أرخص”.

أعياد بحلويات مبتكرة

لم تعد فرحة السوريين كما كانت، فلم يعد المواطن قادرا على احياء المناسبة عبر العادات التي نشأ عليها. وأشهر ما يرتبط بالعيد في الثقافة الشعبية بسوريا معمول العيد (نوع من الحلويات المصنوعة منزلياً)، وقد استطاعت بعض الأسر إيجاد بدائل مشابهة له بتكلفة أقل.

تدخل في صناعة هذا النوع من الحلويات مجموعة من المواد الأولية، كالطحين والسمنة، والفستق الحلبي والجوز والتمر، وكلها ثقيلة على جيب السوري الذي مابات يطيقها اليوم. والحقيقة أنها قد تساوي راتب موظف لشهر كامل. لذا، تم الاستغناء عن الفستق الحلبي والجوز وتم استبدالهما بمربى النارنج والفستق السوداني والراحة والسمنة النباتي وذلك لانخفاض تكاليفها.

إصرار على البقاء

اليوم وبعد 6 سنوات من حرب مستعرة، لايعرف السوريون متى يخرجون من أتونها، هاهم يسعون جاهدين لإيجاد بدائل ممكنة لكل عادة أو تقليد عصفت به الأزمات.

تغيرت أنماط معيشة السوريين، ولم تعد النكهة المميزة والجودة من أولوياتهم، وباتوا يعتمدون على البدائل الرخيصة، فالقليل من وجهة نظرهم أفضل من لاشيء، في بلد تشير العديد من الدراسات إلى أن 85% من شعبه يعيشون تحت خط الفقر.

حفل زفاف لاجئ ولاجئة سوريين في مخيم في اليونان/ بي بي سي

حفل زفاف لاجئ ولاجئة سوريين في مخيم في اليونان/ بي بي سي

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015