مدار اليوم- تركت الحرب السورية (وما تزال) آثارها السلبية في بنية المجتمع السوري. وعلى الرغم من خطر هذه الحرب الممنهجة، وملازمتها حياة السوريين، والمعاناة والآلام الكبيرة التي تسببها؛ بقيت المرأة السورية في ظل هذه الحرب بعيدة عن الدراسة والتشخيص بوصفها طرفًا يعد الأكثر ضعفًا وتأثرًا بما يجري، وبخاصة أن أعداد الإناث في المناطق التي تحت سيطرة النظام بلغت 65 في المئة في المئة من مجمل فئات المجتمع السوري، بسبب هجرة الذكور إلى الخارج هربًا من الخدمة الإجبارية في ميليشيات الأسد العسكرية.
لقد أدت الحرب في سوريا إلى أضرار مباشرة وغير مباشرة في واقع المرأة السورية، ولخّص بحث اجتماعي للدكتور طلال المصطفى أستاذ علم الأجتماع سابقاً بجامعة دمشق واقع المرأة السورية الحالية في جميع المجالات، فاجتماعياً زادت نسبة النساء المُعيلات لكي تغطي العجز الحاصل في ميزانية الأسرة، ثم إن حالات فقر المرأة وصلت إلى معدلات غير مسبوقة، مع تزايد عدد الأرامل في المجتمع السوري، فضلًا عن تعرض كثيرات منهن إلى البطالة أو التشرد أحيانًا بسبب أوضاع تلك الحرب التي كان لها آثارها الواضحة والكبيرة في الوضع الاقتصادي للمرأة عمومًا، وحقوقها ووضعها التنموي خصوصًا.
وولم يكن الوضع الاقتصادي للمرأة بأحسن حال، حيث برزت ظواهر جديدة، بمثل: (الأسر التي تعيلها نساء، تأنيث الفقر، ازدياد بطالة النساء، ودخول المرأة السورية في أعمال جديدة كانت مقتصرة على الرجال بمثل العمل في المطاعم والبيع على العربات المتجولة في الشوارع).
أما الواقع الصحي فانعكس على المرأة من خلال صور العنف المختلفات (بمثل القتل، والجروح، والحروق والتشوهات الخلقية، والعوق الجسدي الدائم نتيجة الأضرار المباشرة للأسلحة المختلفة التي تستخدم في أثناء الحرب). وفي دراسة ميدانية على عيّنة من النساء المهجرات والمقيمات في مراكز اللاجئين للمهجرين في مدينة دمشق تبين أن نسبة 97 في المئة من عينة الدراسة تعاني أمراضًا جسدية، ونسبة 73 في المئة تعاني متاعب نفسية.
على أن أحد أهم الجوانب في وضع المرأة السورية هو الجانب النفسي، حيث فرضت الحرب واقعًا ثقيلًا على النساء في هذا الإطار؛ نتيجة غياب الأمان، وغياب القدرة على التكيف في مثل هذه الأوضاع المضطربة، ما خلق حالة من القلق، والتوتر، والخوف، من فقد زوجها أو أولادها. ثم إن النساء اللواتي فقدن أزواجهن أو معُيلهن، تعرضن إلى ضغوط نفسية كبيرة. وفي دراسة ميدانية على عينة من النساء المهجرات والمقيمات في مراكز الإيواء من المهجرين من المناطق المدمرة في مدينة دمشق تبين أن نسبة 79 في المئة منهن يعانين مشكلات نفسية (الاكتئاب، الخوف، التوتر، الحزن والقلق من المستقبل).
خلاصة القول، أن للحرب آثارًا مباشرة وغير مباشرة في الحالة الصحية والمعيشية والتعليمية والنفسية الاجتماعية للسوريين عمومًا، والمرأة خصوصًا، على أن هذه الوقائع الصعبة، يجب ألا تجعل المرأة تستسلم لظروفها وواقعها، خاصة أنها أثبتت نفسها أنها أكبر من الصعاب، مع مايقتضيه ذلك من دعم المجتمع لها بدءاً من الأسرة لكي تنسجم وتواكب الظروف الراهنة، والعمل لتأهيل المتضررات نفسياً عبر مختصين مؤهلين.