شبكة المرأة السورية- مع تزايد تحول العالم إلى الاقتصاد الرقمي، يواجه العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط عقبة، حيث تفتقر معظم الاقتصادات الناشئة إلى أشخاص مؤهلين لشغل وظائف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الهامة، وهو نقص يتفاقم بسبب انخفاض تمثيل الدول للنساء في هذه الصناعات.
إن الفجوة بين الطلب على عمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتزويد الباحثين عن العمل بالمهارات التقنية اللازمة تهدد قدرة تلك البلدان على المشاركة في محرك قوي للنمو في القرن الحادي والعشرين – أي الاقتصاد الرقمي. في الوقت الذي تقول فيه ورقة المناقشة التي تحمل عنوان “المرأة في مجال التكنولوجيا كمحرك للنمو في الاقتصادات الناشئة”، فإن زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من شأنه أن يساعد في سد هذه الفجوة، لكن النساء غير قادرات بعد على الاستفادة الكاملة من هذا القطاع المتنامي.
في حين أن الحصول على درجة علمية في علوم الكمبيوتر أو الهندسة أمر ضروري لمعظم المهن المهنية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن نسبة النساء المتخرجات في هذه المجالات تقل في أجزاء كثيرة من العالم.
الفجوة بين الجنسين
على الرغم من أن الباحثين وصانعي السياسات ركزوا على سد الفجوة بين الجنسين في وظائف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن التركيز أقل بكثير في الاقتصادات الناشئة، التي تعتمد بشكل متزايد على القوى العاملة المحلية لدفع عجلة النمو. على الصعيد العالمي، تنتقل وظائف قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) إلى البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بسبب النمو السريع لأسواق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الاقتصادات الناشئة. وفقاً لتقرير عام 2012 الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية (ITU)، “تعد الصين حتى الآن أكبر منتج ومصدر لمنتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اليوم، في حين تعد الهند أكبر مصدر لخدمات الكمبيوتر والمعلومات.” كما نما الطلب على مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خارج قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث يتم تطبيق التقنيات الرقمية عبر القطاعات الأخرى لتحسين الإنتاجية.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه سياسة التنمية أزمة وجودية. إن التقدم الهائل في مجال الأتمتة والذكاء الاصطناعي يحل بسرعة محل الوظائف ذات المهارة المنخفضة والوظائف الروتينية وإغلاق المسار التقليدي للتنمية من خلال التصنيع. إن المصانع، والزراعة، ومراكز الاتصال – وهي حجارة تقليدية للطبقة الوسطى للعمال ذوي الأجور المتدنية – تتطلب على نحو متزايد عددًا أقل من اليد البشرية.
إن الاتجاه العالمي نحو نقل العمليات إلى الخارج يظهر علامات مبكرة على الانعكاس لأن زيادة الأتمتة جعلت تكلفة العمالة أقل أهمية. وفي هذا الاضطراب، يشير الاتحاد الدولي للاتصالات إلى أن “عدد النساء اللائي كن أكثر من الرجال قد تشردوا بسبب زيادة الأتمتة وحوسبة أماكن العمل”.
إن توسيع وصول المرأة إلى وظائف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لن يؤدي فقط إلى تعزيز الفرص الاقتصادية للنساء وأسرهن ومجتمعاتهن، بل سيساعد أيضا في معالجة النقص في العمالة الماهرة لهذه الوظائف وتنمية الاقتصاد الرقمي.
ومع تزايد استخدام النساء للتكنولوجيا، فإن مشاركتهن في تصميم وتطوير المنتجات والخدمات التكنولوجية سيساعدان على تعزيز صلة التكنولوجيا بالمرأة كمستهلكين، مما يزيد من تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي. يجب على القطاعين العام والخاص، من خلال العمل معاً، مواجهة الحواجز المتعددة التي تواجه النساء والفتيات، لا سيما في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي يمكن أن تستفيد اقتصاداتها من مشاركة أكبر للمرأة في الوظائف الحيوية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ماذا عن المرأة العربية؟
يعتبر تحدّي التكنولوجيا إشكالية مـتأصلة في السياسات الاقتصادية التي تشكل واقع كثير من الدول العربية اليوم، لذا لا يقع على عاتق المرأة العربية وحدها عبء هذه الإشكالية. ومن أهم التحديات التي تواجه المرأة المتخصصة في هذا الجانب، والتي تحول بينها وبين التميز والتأثير وقدرتها على التفاعل والتأثير الكبير في جانب التكنولوجيا على المستوى المحلي أو الدولي، يرتبط بغياب الفرص، إذ تجد الفتاة المتخصصة في مجال التكنولوجيا أمامها القليل من الفرص على عكس الرجل الذي يستطيع أن يبني خبرته ومهاراته من خلال الاحتكاك المباشر بورشات الهندسة والشركات، في حين لا تتاح تلك الفرص للفتاة سواء كانت طالبة أو متدربة.
كما أن إشكالية التكنولوجيا لا تتعلق بواقع المرأة فقط وإنما لها علاقة مباشرة بقلة الشركات المتخصصة في المجال التكنولوجي، إذ أن معظم الشركات تعمل كوكالة لا كمصنعة للتكنولوجيا وهذا بالطبع ينعكس على واقع التكنولوجيا في المجتمع وليس عل مستوى المرأة وحسب.
ولا ننسى تأثير الثقافة المجتمعية على مستوى المرأة، إذ ينظر لتعليم المرأة بشكل عام على أنه ثانوي وليس جزء أساسي لتطوير المجتمع، كما أن المجتمعات العربية لا زالت ترزح في مجال الاستهلاك ولم تخرج بعد إلى مجال التصنيع والابتكار، وهذا بالطبع له ارتباط وثيق بالجانب الاقتصادي والسياسي، إذ تميل المنهدسة والمهندس على حد سواء إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وليس التميز بسبب الظروف التي تفرضها احتياجات الواقع.
كما أن إشكالية التكنولوجيا في الوطن العربي لا تقتصر على مستوى المرأة بل هي اشكالية مرتبطة بواقع التعليم التكنولوجي نفسه، إذ أن غياب المراكز البحثية وفرص التدريب وجودة التعليم كلها تلعب دوراً كبيراً في اضعاف فاعلية الخريجين في القطاع التكنولوجي.