موقع كيوسك الإلكتروني- تتزامن الاضطرابات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط مع عدم استقرار وضع المرأة في هذه المجتمعات، ومع تعطُّش الشعوب لتغيير الأحوال المعيشية من أجل حياة كريمة وغدٍ أفضل، تظهر الحاجة إلى موارد بشرية جديدة تعكس التنوع والثراء، وفي الوقت الذي تسعى فيه المجتمعات للبحث عن الأمان الاقتصادي والاجتماعي، ربما تكون المرأة هي الإجابة والسؤال في الوقت ذاته.
تُشكِّل النساء نحو 49.7% من إجمالي عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويبلغ عددهن 345.5 مليون نسمة، وبحسب البنك الدولي، فإن مشاركة المرأة في القوى العاملة في هذه المنطقة زادت بنسبة 0,17% سنويًا خلال الأعوام الثلاثين الماضية، إذ إن 25,2% فقط من نساء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعملن أو يبحثن فعليًا عن عمل، بالمقارنة مع كل الدول النامية الأخرى، حيث يوجد أكثر من 50% من النساء يعملن أو يبحثن فعليًا عن عمل.
تحديات عالمية تفرض نفسها.. نظرة للتعليم على المستوى العالمي
تُصدر منظمة «اليونسكو» سنويًا تقريرها الخاص بالرصد العالمي للتعليم، تشرح فيه المدى الذي وصلت إليه في تحقيق الأهداف الإنمائية العالمية، والتطورات المصاحبة له، والعقبات التي تواجهه. في تقريرها الأخير لعام 2016، وتحت عنوان «التعليم من أجل البشر والكوكب» تُخبرنا اليونسكو بالكثير عن مستويات التنمية الحادثة عالميًا فيما يتعلق بالتعليم، كإحدى الوسائل التي تمد العالم بالمادة الخام البشرية الصالحة للعمل، وتحقيق التقدم المنشود.
وترفع اليونسكو شعار«التعليم من أجل الجميع» غايةً نهائية لمساعيها من أجل النمو، غير أن «تعليم المرأة» وتحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم والعمل على مستوى العالم، هو هدف يتخذ حيِّزًا كبيرًا من مساعي المنظمة الدولية، وكذلك في تقاريرها السنوية، إذ يستهل تقرير العام السابق حديثه عن المساواة بين الجنسين بتوضيح أنها لا تخص فقط تحقيق النمو الاقتصادي، لكنها كذلك تحدد كيف يحيا الناس حياتهم اليومية، وكيف يختارون القرار المناسب، وكيف يتعاملون فيما بينهم.
ويُحرز التعليم في الدول النامية تقدُّمًا ملحوظًا، إلا أنه لم يرقَ بعدُ لما ترغب الأمم المتحدة في الوصول إليه، وعلى الرغم من أن نسب التحاق الأطفال بالتعليم ما قبل الأساسي قد وصلت لـ44% عام 2014، إلا أن واحدة من بين كل عشر فتيات يتم إخراجهن من التعليم الأساسي مقابل واحد من بين 12 ولدًا. كذلك فإن 54% من البلدان التي تشملهم أهداف التنمية لا تُحقق المساواة بين الجنسين فيما قبل التعليم الثانوي، و77% فيما بعده. يُخبرنا التقرير كذلك أن اللامساواة بين الجنسين تُسهم بشكل كبير في زيادة نسبة أمية القراءة والكتابة، وهو ما لا يقتصر على الدول النامية، بل يتعداه للدول المتقدمة، ويشمل معها المهارات الحسابية أيضًا.
النساء العرب أكثر عرضةً للبطالة
تواجه الشابات الباحثات عن عمل تحديات كبيرة في العالم العربي، فهن أكثر عرضةً لأن يكُن عاطلات عن العمل عند مقارنتهن بالشباب؛ إذ تواجه الشابات ضعف معدل البطالة الذي يواجهه الشبان العرب، ويجد صندوق البنك الدولي أنه في عدد من الدول العربية- بما في ذلك سوريا والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر- تُسجِّل معدلات بطالة النساء حوالي 50%، كذلك، لا تزال الفجوة كبيرة بين أجور الذكور والإناث في جميع أنحاء المنطقة، حتى في القطاع الرسمي، إذ تتلقَّى النساء أجورًا أقل من تلك التي يتلقاها الرجال لقاء تأدية العمل ذاته، في مصر أيضًا، سُجِّلت فجوة الأجور بين الرجال والنساء 22% بحسب مقياس «المشاركة والفرص الاقتصادية» الصادر عن المنتدى الاقتصادي الدولي .
في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتفوق الرجال على النساء في القطاع الخاص، حين يتعلق الأمر بإطلاق مشاريعهم الخاصة، إذ بدأ 19% من الرجال العرب أعمالهم التجارية الخاصة، في حين أن 9% فقط من النساء العربيات قد فعلن ذلك، ويأتي ذلك بعد أن أظهر استطلاع ضم 2300 شاب وشابة عرب ممَن دخلوا سوق العمل أن 9% فقط من النساء أردن بدء مشاريعهن الخاصة، أيضاً، تواجه النساء العربيات تحديات أكثر من الرجال للحصول على المال، لا سيما وأن النساء لا يحصلن بالتساوي مع الرجال على ضمانات، كالأرض والعقارات، لضمان القروض المالية.
الشرق الأوسط يحتوى على 11 من أكثر الاقتصادات تقييدًا للنساء
يُفيد التقرير الصادر عن مجموعة البنك الدولي بعنوان «المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2016» بأن النساء يواجهن قيودًا في التوظيف في 100 من أصل 173 اقتصادًا كان محلا للرصد، إذ تُمنع المرأة من العمل في وظائف معينة في المصانع في 41 اقتصادًا، وفي 29 اقتصادًا يُحظَر عليهن العمل ليلًا، وفي 18 اقتصادًا لا يُسمح لهن بالحصول على وظيفة دون إذن زوجها، كما يتواجد نظام إجازة الأبوة فقط في نصف الاقتصادات التي شملها التقرير، وأقل من ثلث الاقتصادات يوجد فيها نظام إجازة الوالدين، وفي 30 اقتصادًا، لا تتمتع المرأة المتزوجة بحرية اختيار المكان الذي تعيش فيه، ولهذه التباينات، ومجموعة من التفاوتات الأخرى التي رصدها التقرير، عواقب بعيدة المدى، إذ تؤثر سلبيًا لا على المرأة نفسها فحسب، ولكن أيضًا على أطفالها ومجتمعها واقتصاد بلدها.
وتواجه النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أوسع القيود نطاقًا، والتي تشمل كل المؤشرات التي غطَّتها الدراسة، فهناك العديد من القوانين التي تُقيِّد مشاركة النساء بالأعمال الحرة وحصولِهنَ على وظيفة في القطاع الرسمي، ويوجد في منطقة الشرق الأوسط 11 من أكثر الاقتصادات تقييدًا في العالم، وهي المملكة العربية السعودية، والأردن، وإيران، واليمن، والعراق، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وسوريا، وقطر، والكويت. وهي تُشكِّل مع أفغانستان والسودان وموريتانيا وبروناي الاقتصادات الخمسة عشر الأكثر تقييدًا من حيث قدرة النساء على العمل أو تأسيس مشاريع، وذلك حسب معايير التقرير.
عالميًا.. كيف يُسهم تعليم المرأة في التقدم الاقتصادي؟
أصدر مركز بروكينجز عام 2016 كتابًا بعنوان «تعليم المرأة.. لماذا هو الاستثمار الأمثل في العالم»، يتناول دراسات وأبحاثًا مكثفة عن تعليم المرأة، وكيف يُحدث أثرًا في اقتصاديات العالم عامة، والدول النامية خاصة.
ويشرح التقرير كيف يُسهم تعليم المرأة في تحقيق التقدم الاقتصادي العالمي، ويسرد الأسباب لِنجد أن تعليم المرأة يجعلها أكثر قدرة على إدارة حياتها والاهتمام بعائلتها، ويزيد من فرص حصولها على وظيفة، وهو ما يُسهم بدوره في تحقيق الاستقرار للعائلات، كذلك فإن تعليم المرأة يزيد من فرص تمكينها في المجتمع خلال تأهيلها للقيام بدورها فيه.
يضع التقرير أمام أعيننا عدة نماذج عن الفارق الذي يُحدثه تعليم المرأة في الدول النامية، ففي دراسة أجراها البنك الدولي في 100 دولة، وُجد أن زيادة نسبة أعداد النساء اللاتي يُكملن التعليم الثانوي تُزيد الدخل القومي في هذه البلدان بنسبة 0.3%، بينما يؤدي التفرقة بين الجنسين في التعليم إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من 0.9% إلى 1.7%.
رغم أن خطوات المرأة في تحقيق فرص «رسمية» في التوظيف واتخاذ القرار متأخرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن الدراسات تشير إلى أن عمل المرأة بدوام كامل يزيد من مدخول الأسرة بنحو 25%، علاوة على ذلك، في حال كان عدد النساء العربيات العاملات يساوي عدد الرجال العرب العاملين، فإن إجمالي الدخل المحلي في عددٍ من دول المنطقة سيرتفع بشكلٍ كبير، مثلًا فإن تساوي عدد الرجال العاملين مع عدد النساء العاملات في الإمارات العربية المتحدة قد يرفع من إجمالي الدخل المحلي بنسبة 12%، في حين أن الإنجاز ذاته في مصر قد يزيد إجمالي الدخل المحلي بنسبة 34%.