أقيم مؤتمر جندرة الدستور في باريس آب الماضي، بمبادرة من تجمع “سوريات من أجل الديموقراطية” وبشراكة مع المبادرة النسوية الأورومتوسطية وكان تحت عنوان: “عملية شاملة لبناء دستور متوافق مع النوع الاجتماعي (الجندر): نحو تحول ديمقراطي في سوريا”. وشاركت به مجموعة من أطياف المعارضة الديموقراطية مع منظمات نسوية كانت قد انضوت تحت اسم سوريات من أجل الديمقراطية.
ولاء خرمندة/ أبواب- المؤتمر جاء ضمن التحرك النسوي العربي الذي يحاول منذ زمن تغيير القوانين المجحفة والتمييزية بحق النساء، وقد كان الربيع العربي فرصة كبيرة لتحقيق هذا التغيير الضروري في الدساتير العربية الموضوعة، بعد وقت طويل من الاستبداد، خصوصًا وأن معظم الدساتير في المنطقة العربية تحوي في موادها بنودًا تمييزية، وهو ما يقوض المواطنة التي تفترض المساواة والعدالة لجميع المواطنين ولكنها تعود لتميز ضد المرأة وضد غير المسلمين وتكرس الفصل الطائفي في المجتمع، وهذا تمامًا ما يصرح به الدستور السوري، ورغم انتفاض الشعب السوري الذي أراد تغيير أوضاع البلاد المحكومة بقانون الطوارئ الذي عطل عمل الدستور لعشرات السنين، على المآخذ الكثيرة على الأخير، وما آلت إليه الأحوال نتيجة استخدام القوة مما جعل الوضع الإنساني متدهورًا وكذلك لا أفق في حل سياسي أو حسم عسكري، إلا أن النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد، قام بطرح دستور جديد للبلاد 2012 متجاهلاً أحوال البلاد الدامية، ورغم تشكيك معارضيه والشارع السوري المعارض بنزاهة هذا الإستفتاء إلا أن الدستور أقر، وهو لا يغير من البنود التميزية شيء تقريبًا، بل أخذ عليه الكثير من التعديلات، وأهمها عمل النظام السوري على إعطاء رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة جدًا، دون السماح لأحد مسآلته.
وباعتبار الدستور هو الوثيقة القانونية الأسمى التي تحدد كل شيْ يخص الدولة، فإن وجود مواد تمييزية على أساس الانتماء الطائفي أو النوع الاجتماعي (الجندر) فإن ذلك سينعكس على كافة القوانين الوطنية، وستتأثر أحوال النساء على كل المستويات بهذا التمييز، فالكثير من مواد قوانين العقوبات والأحوال الشخصية تصرح بالتمييز ضد المرأة، وتحدد جنس وطائفة رئيس الجمهورية يمنع النساء من الترشح إلى هذا المنصب مثلا، وهذا التمييز يعكسه، إعاقة النساء عن تبوء مناصب متقدمة في البلاد ومحدودية مشاركة المرأة السياسية، الكثير من المعيقات التي يحميها القانون تعرقل تقدم النساء، ولذا فإن الحل الجذري سيكون العمل على دستور جديد للبلاد، يكون حساسًا للنوع الاجتماعي (الجندر) في خطابه ومحتواه، وهذا ما يحاول تجمع “نساء من أجل الديموقراطية” العمل عليه، والمؤتمر المنعقد في باريس أحد الخطوات في مشوار لابد أنه سيكون طويلاً، المؤتمر جمع نسويين/ات سوريين/ات، وبعض من شخصيات المعارضة السورية والشخصيات الفاعلة سياسيًا، وقد خرج المؤتمر بالمبادئ الدستورية الحساسة للنوع الاجتماعي التي يتبناها التجمع، وعددها 16 جميعها تتعلق بعدم التمييز ضد النساء من خلال مواد دستورية توضح العدالة والمساواة بين جميع مكونات المجتمع دون تمييز على أي أساس خصوصًا (الجندر)، وعلى الدولة أن تكفل تحقيق هذا التكافؤ وعدالة الفرص بين النساء والرجال على كافة المستويات، وتجرم التمييز ضد المرأة، وإزالة كل التحفظات عن إتفاقية سيداو، وكذلك أحقية النساء بمنح جنسياتهن لأبنائهن، والحفاظ على حقوقهن كاملة كمواطنات، والمطالبة بالتمثيل السياسي مناصفة ودعم حضور المرأة في المجالات كافة، وكذلك تطرقت رؤية التجمع إلى شكل الدولة السورية والتأكيد على فصل السلطات واحترام سوريا لجميع مكوناتها.
وقدم المؤتمر كذلك آليات مقترحة لتطبيق هذه المبادئ الدستورية، ورغم أهمية هذا الطرح الذي يعتبر خطوة أولى ضرورية لتغيير أحوال النساء عبر قوننتها، إلا أن الوضع السوري المعقد اليوم سياسيًا وعسكريًا يجعل البعض يتسأل عن جدوى هذا التحرك الأن وهو ما ترد عليه المنسقة العامة لتجمع سوريات من أجل الديموقراطية، الدكتورة مية الرحبي: “من المؤكد وجود أولويات مع الوضع المتدهور في سوريا، كإيصال المساعدات والتركيز على قضايا المعتقلين وفك الحصار عن المدن السورية والضغط من أجل وقف العمليات العسكرية ضد المدنيين، ولكن أيضًا من الأولويات العمل على بناء الدولة السورية القادمة، التي يجب أن نكون جاهزين لها حالما تذهب الأمور إلى الدولة السورية التي نطمح لها”.
وتضيف: “العمل على موضوع جندرة الدستور ليس وليد الأن إنما هو موضوع مطروح منذ 2012 حيث أصدرنا العديد من التقارير بهذا الشأن، ولكن هذا العام طمحنا أن يصل صوتنا للفاعلين في المسار السياسي السوري سواءً كسياسيين سوريين أم كجهات دولية، وكنا قد وضحنا رأينا بشأن جندرة الدستور وقدمنا رؤيتنا إلى الأمم المتحدة خلال مؤتمر جنيف عن طريق غرفة المجتمع المدني، وكذلك ضغطنا على السياسين السوريين المؤثرين بالمسار السوري من خلال التشبيك مع منظمات نسوية وحقوقية سورية، ومع المنظمات السورية المعنية باعادة بناء الدولة السورية عأساس ديموقراطي، وتعتبر أهمية هذا الأمر اليوم تحقيق الجاهزية لمرحلة إنتقالية في حال وصل الأمر لتوافقات دولية بالشأن السوري، حيث أن هذه القضايا لا يمكن حلها في تلك اللحظة، وكما أن التلاعب الدولي بالوضع السوري قد يصل للدستاتير القادمة.”
من جهتها تقول منسقة لجنة الدراسات في اللوبي النسوي، السيدة لمى قنوت: “يعمل تجمع سوريات من أجل الديمقراطية على جندرة الدستور منذ عام 2012 وقد أصدر عدة وثائق بهذا الخصوص، وقد آن الأوان لعرضها على السياسيين/ات والحقوقيين/ات وناشطي وناشطات المجتمع المدني واقناعهم بها، وهذا ما فعلناه مؤخرًا في التجمع. للأسف دائمًا حقوق المرأة توضع في مراتب ثانوية ويشكك فيها متى طُرحت، ألم تقم الثورة من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة ومن أجل تفكيك الاستبداد وبناء دولة ديمقراطية تلتزم بحقوق الإنسان للنساء والرجال؟ بالطبع لن تناقش المبادئ الدستورية قبل الوصول على تسوية سياسية تؤدي إلى هيئة حكم انتقالية لا وجود للأسد فيها، ولكن من المفيد والمهم مناقشة ما يضمن حقوق النساء دستوريًا وقانونيًا ويؤسس لحالة ديمقراطية في سوريا الجديدة”.
وعن أهمية هذه الخطوة (جندرة الدستور) انعكاسًا على أوضاع المرأة السورية، تقول السيدة قنوت: ” الدستور الحساس للجندر وموائمة القوانين مع الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية سيداو، هو الضامن لحقوق المرأة في سوريا المستقبل. وعندما نطالب كنسويات ونسويين، بدستور حساس للجندر يضمن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمساواة في الحقوق بين المواطنين والمواطنات، يضمن سيادة القانون وفصل السلطات والعدالة الاجتماعية، يعني إننا نريد إحداث قطيعة مع الاستبداد بكل أشكاله بما فيها الإرث الأبوي السلطوي الذي اضطهد النساء ومارس قهره عليهن، وبالتالي على المجتمع ككل”.
ترزح السوريات تحت عنف وتمييز مقونن منذ عقود، في الفضاءَين العامّ والخاصّ، وتستند القوانين القهرية للنساء (قوانين الأحوال الشخصية، العقوبات، الجنسية، التحفظات على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”)، على المادة الثالثة من دستور2012، في الفقرات الأولى والثانية والثالثة “وهي الفقرات المتعلقة بتحديد دين رئيس الجمهورية والمصدر الرئيس للتشريع في البلاد بالدين الاسلامي، والاحوال الشخصية للطوائف المختلفة”.
وتضيف السيدة قنوت: “لقد تم تفصيل دستور بصلاحيات ضخمة لرئيس الجمهورية وتداخل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقانونية، غاب عن كتابته مشاركة المعارضة وقاطعتها في الاستفتاء، وبظل ثورة شعبية وخروج مناطق عديدة عن سيطرة النظام. لذلك لابد من دستور جديد ومن مبادئ دستورية في المرحلة الانتقالية. ولا يمكن دخول الحداثة، في ظل مناعة تاريخية ومجتمعية غير قادرة على تجاوز ما أتى به الفقه الذكوري، إلا إذا أحدثنا منظومة قانونية تكون رافعة للمجتمع، تلتزم بحقوق الإنسان وحقوق المرأة الإنسانية، يكون منطلقها دستور حساس للجندر، علماني، يضمن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمساواة في الحقوق بين جميع المواطنين والمواطنات، يضمن سيادة القانون وفصل السلطات والعدالة الاجتماعية، يحظر التمييز المباشر وغير المباشر ضد النساء، ومكانة متقدمة للاتفاقيات الدولية، يضمن حمايتهن من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويمنع انتهاك حقوقهن بذريعة الدين أو العرف الاجتماعي”.
وعن الشراكات اللازمة لتحقيق هذه المبادئ الدستورية من خلال آليات وضعها المؤتمر تقول الدكتورة مية الرحبي: “تكثيف اللقاءات مع الدوبلوماسيين الأوربيين لحشد التأييد لجندرة الإعلان الدستوري الذي سيوضع ليؤسس للدستور السوري الدائم القادم، لقاءات مع الأمم المتحدة، وكذلك نحن بصدد عقد مؤتمر سيضم الناشطين المدنيين السورين كما تم سابقا عقد مؤتمرات مع السياسيين السورين وقبلها الحقوقين وخبراء الدساتير من السوريين، وتهدف هذه النشاطات لحشد المناصرة لنشر رؤية جندرة الدستور السوري وقبله الإعلان الدستوري القادم”.