لينا ديوب/snacksyrian- إذا كنا نستنكر صمت نساء كثيرات على ما تتعرضن له من عنف، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، فعلينا البحث عن الأسباب التي أضعفت الثقة بالقوانين، عندها نجد أن التمييز ليس بالقوانين فقط وإنما بالاجتهادات القضائية أيضاً، والتي لا تغلب فكرة الحق بل على العكس هي تمييزية وتنقل الفكر السائد في المجتمع على أن النساء درجة ثانية، وكأنها تعطي الإذن للمجتمع بارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق النساء، يظهر ذلك بوضوح في قانون العقوبات والاجتهادات الملحقة به واعتماده على جنس المرأة فقط والمسميات والأوصاف التي تطلق عليها بسبب جسدها.
أهواء المجتمع
تقول المحامية “رهادة عبدوش” لسناك سوري: «يبرز التمييز ضد النساء في القوانين والاجتهادات القضائية بصورةٍ غير منطقية تقوم على أساس الجنس فقط، ويعتمد هذا التمييز على أهواء المجتمع ومصالحه الماديّة الضيقة فلا تزال النساء، رغم كل التطوّر العالمي في النظرة إلى حقوق الإنسان والمساواة والحريّة، جزءاً من الملكية العائلية، ويتجلّى ذلك بالتحكم بها من حيث الإرث والولاية والقوامة (في قوانين الأحوال الشخصية)، وفي حرمانها من إعطاء الجنسية لأسرتها، دوناً عن الرجل الذي يعطي الجنسية لأولاده بموجب حق الدم (قانون الجنسية)، فتحرم من المساواة مع الذكر لمجرد جنسها، ولاتزال ثغرات الدافع الشريف وفورة الغضب قائمة ضمن قانون العقوبات السوري، بالإضافة إلى أنّه الحجة في كل القوانين التمييزية، وضمنها الاجتهادات القضائية في الدفاع عن العفّة والحياء العام وهتك العرض وغشاء البكارة والشرف».
مفردات وتوصيفات تشجع على العنف
بالعودة إلى قانون العقوبات السوري ضمن الجزء المتعلق بالجرائم ضد الأشخاص، توضح المحامية “عبدوش” أن الباب السادس منه يتناول الجرائم التي تمس الدين والأسرة، وتُقسم إلى فصلين، الجنح التي تمس الدين، والجرائم التي تمس الأسرة، والتي يتفرع منها: الجرائم المتعلقة بالزواج (الزنى)، والجرائم المخلة بآداب الأسرة (سفاح القربى)، والجرائم المتعلقة بالولد وبنوته، والتعدي على حق حراسة القاصر، وتسييب الولد أو العاجز، وإهمال واجبات الأسرة. ويتناول الباب السابع الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة، حيث يضم الفصل الأول الاعتداء على العرض (الاغتصاب، الفحشاء، الخطف، الإغواء والتهتك وخرق حرمة النساء)، ويتناول الفصل الثاني الحض على الفجور، التعرض للأخلاق والآداب العامة، وفي الفصل الثالث الوسائل المانعة للحبل وفي الإجهاض.
وتضيف: «نجد التمييز واضحاً لدرجة يمكننا القول بأنه يمهد الطريق لما يسمى جريمة الشرف، نكتفي هنا بذكر بعض الاجتهادات كأمثلة».
التمييز الواضح
توضح “عبدوش” بخصوص الاجتهادات أن هناك اجتهاد سوري يقول: «إن إثبات الزنى على المرأة يصح بطرق الإثبات كافةً وفقاً للقواعد العامة، وأما إثبات هذا الجرم ضد شريكها الذي لا يقصد به إلا الرجل وحده، فيكون بإحدى الطرق التي ذكرها القانون على سبيل الحصر، وهي الإقرار القضائي والجنحة المشهودة والوثائق الرسمية».
وهذا واضح من نص المادة القانونية أيضاً حيث لا يعتبر الرجل الزاني فاعلاً أصلياً إلا في حالة كونه متزوجاً، وأن تدّعي عليه زوجته بجرم الزنى المشهود في بيت الزوجية. وبالتالي، عقوبة المرأة الزانية الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، أما الزاني فهو شريك وليس فاعلًا أصلياً، وعقوبته الحبس من شهر إلى سنة، إلا في حالة اعتباره فاعلاً أصلياً وفق ما سبق، فيعاقب عقوبة المرأة الزانية (التي ليس بالضرورة أن تكون متزوجة)، وهذا واضح أيضًا بنص المواد 473/474 من قانون العقوبات.
وتضيف: «هناك اجتهاد لمحكمة النقض يقول: «إن الإكراه المعنوي لا يتوفر إلا إذا تحقق أن المعتدي استعمل في سبيل تنفيذ مقصده الخمر لإزالة حرية الرضاء لدى المعتدى عليها، بصورة تفقدها إرادتها وتقعدها عن المقاومة،أما إذا كان الخمر لم يُستعمل للتغلب على مقاومة المعتدي عليها وإنما هي التي رافقته إلى قريته بعد أن تزينت له، وهناك جالسته على مائدة الشراب ليعبّان من الشراب وليعطيا للنفس هواها، فإن انتهاء الاجتماع بالوقاع هو نتيجة طبيعية لمثل هذا العمل الذي ارتضاه الفريقان، وهذا ما ينفي وقوع الاغتصاب بالإكراه».
يتمنعن وهن راغبات!!
توضح “عبدوش”: «أن الاجتهاد يصور مع عدد كبير من الاجتهادات المقارنة، أن الاعتداء الجنسي هو بمثابة العلاقة الجنسية، ونتيجة طبيعية لأي علاقة بين إثنين أو أكثر، يكونون في رحلة مثلاً، أو حفلة شربوا فيها المواد الكحولية، بما يؤثّر على المحاكمة العقلية، فلا يُعتبر الاعتداء الجنسي بالعنف من الرجل على المرأة جريمة اغتصاب، ولا حتى اعتداء، لأن الموافقة على الشرب تعني ضمنياً الموافقة على العلاقة الجنسية، يستثنى من ذلك عدم معرفة الضحية بأن ما تشربه كان كحولاً أو مخدرات، أو أن الفتاة دون الخامسة عشر من عمرها، وهنا لم يؤخذ بالاعتبار عدم بلوغ سنّ الرشد القانوني وهو الثمانية عشر، بل اعتبر خمسة عشر عاماً إرادة واعية، واعتبر النيّة موجودة مع قبول شرب الكحول، والعلاقة نتيجة طبيعية لهذا الفعل».
تذكر “عبدوش” اجتهاداً آخر يقول: «إن عدم صراخ أو بكاء أو اشتكاء أو استغاثة الفتاة أثناء وبعد فض بكارتها وسكوتها لفترة طويلة عن الأمر ينفي وقوع الاغتصاب بالعنف والإكراه والتهديد»، وتقول القاعدة “جرم الاغتصاب يقوم على ثلاثة أركان، إثبات الفعل (الوطء) وعدم المشروعية والإكراه».
تعلّق حول هذا الاجتهاد: «أي أنّ سكوت المرأة عن الجرم بحقّها هو قبول ورضى، دون النظر إلى أسباب سكوتها عن الشكوى كالخوف من القتل بدافع الشرف، أو الخوف من القتل من المعتدي، أو عدم معرفتها بحقها بالشكوى أو طرق الشكوى، أو الصدمة النفسية المرافقة، أو شعورها بالذنب أو خوفها من الفضيحة، أو ربما أنها لم تكن تريد أن تصل العلاقة إلى هذا الحد.
واعتبر الاجتهاد المأخوذ به في المحاكم أنّ سكوت الفتاة المغتصبة فترة طويلة بعد اغتصابها معناه رضى تلك المرأة، لذلك لا يعتبر اغتصاباً لأنّ الإكراه شرط أساسي لاعتبار الاعتداء الجنسي جريمة اغتصاب، كأنهم يستعيرون عبارة “السكوت علامة الرضى” لينفوا جرم الاغتصاب عن المجرم، أو “يتمنّعن وهنّ راغبات».
ترى “عبدوش”: «أن تلك التعابير المهينة للمرأة مثل “سيئة السمعة، داعرة، عاهرة”، والتي لا تُطلق على الرجل في الاجتهادات ولا في القوانين، واعتبار المرأة شرف وعرض حتى الدرجة الرابعة من القرابة، وإلحاقها بالملكية الشخصية للعائلة التي يفور الدم لأجل سلوكها، وتقييمها بحسب ما يراه المجتمع باختلاف المكان والزمان، كل هذا يعرضها لكافة أشكال العنف البدني والنفسي والجسدي».
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.