رصيف22- بقطعة قماش وبعناية شديدة تنظف داليا عادل (٤٣ عاماً) السكوتر الحمراء الخاصة بها.
كان موعدها مع رصيف22 في حي الحسين التاريخي في وسط القاهرة. تتوقف قليلاً عن التنظيف ثم تقول: “السكوتر هو وسيلتي العملية للانتقال في شوارع القاهرة، فهو يوفر لي الوقت والأموال التي كان من الممكن أن تضيع على بنزين السيارة أو أجرة التاكسي”.
درست عادل اللغة الإنجليزية بكلية الألسن، وعملت بضع سنوات في أحد أهم مراكز تعليم الإنجليزية بالقاهرة. كانت تسكن في حي مصر الجديدة، على بعد حوالي 15 كيلومتراً من عملها في منطقة العجوزة.
رفضت وقتها استخدام وسائل المواصلات التقليدية واشترت دراجة هوائية لتذهب بها إلى عملها يومياً.
لكن سرعان ما انتقلت عادل من الدراجة الهوائية إلى شراء سكوتر، أطلقت عليها اسم ماريكا، واشترت معها خوذة حمراء كلونها، لحماية الرأس.
على ماريكا الحمراء، وبخوذتها، تطوف عادل شوارع العاصمة. ومثلها تفعل الكثيرات.
لسنوات طويلة كانت الدراجة البخارية التي تشبه من ناحية التصميم الدراجة النارية، والتي تعرف بالسكوتر، حكراً على الرجال في مصر، لكن مؤخراً قررت مجموعة من الفتيات خوض التجربة وسط دهشة المجتمع.
بعيون مليئة بالتحدي، وبشغف حقيقي مصدره إيمانهن بما يفعلن، ينطلقن في شوارع القاهرة وبعض المحافظات الأخرى. إنهن فتيات السكوتر، وهذه هي محاولتهن للتغلب على زحام شوارع مصر، وعلى مشاكل أخرى.
رصيف22 صاحب شابات مصريات في رحلتهن هذه للتعرف على تجربتهن عن قرب وما يواجهن في شوارع المحروسة.
مبادرة لتعليم الفتيات
لم تكتف بسمة الجابري، التي تخرجت من كلية التجارة مؤخراً، بقيادة هذه الدراجة البخارية في الشوارع. أخذت الفتاة العشرينية على عاتقها مهمة أن تعلم فتيات أخريات قيادتها، لذلك أطلقت مبادرة girls go wheels غير الهادفة للربح.
تقول لرصيف22 إنها حلمت دائماً أن تتعلم قيادة السكوتر للتغلب على المضايقات التي لا تتوقف وعلى زحام العاصمة التي تجاوز عدد سكانها الـ22 مليون نسمة، إذا ما أضفنا الضواحي المجاورة لها والتي أصبحت جزءً منها (القاهرة الكبرى)، بحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء،
ولكنها لم تجد من يعلمها القيادة، فقررت أن تفعل ذلك بنفسها.
القيادة برأيها، سهلة، لكن التحدي يكمن في التعامل مع الشوارع المصرية غير الممهدة ومع مضايقات الناس، والأعطال الوارد حدوثها إضافة إلى الحوادث.
“كل هذه خبرات أخدت مني فترة حتى استطعت التعامل معها، لذلك قررت أن أطلق مبادرتي girls go wheels لأعلم الناس كواليس قيادة السكوتر”، تقول لرصيف22.
الانطلاقة
انطلقت girls go wheels منذ حوالي ثلاث سنوات، وأرادتها الجابري أن تكون أقرب لمرجع لكل الفتيات.
رفضت أن تعطي فكرتها شكلاً تجارياً، لذا جعلتها مبادرة من دون مقر، فتعلم الفتيات من خلالها في أي مكان متاح قيادة السكوتر دون دفع مبالغ طائلة.
وتوفر لهن الإجابات عن أسئلتهن التي لم تجد الجابري من يجب عنها حينما بدأت مشوارها، من إصدار رخص القيادة إلى القوانين وأماكن الصيانة ومخاطر الطرق. وقد علمت girls go wheels حتى الآن حوالي 150 فتاة، وهذا الأمر بالنسبة للجابري مفيد للمجتمع أيضاً، ففيه توفير بنزين وهو صديق للبيئة.
القوة والثقة وتخطي التحرش
أسباب عدة جعلت الفتيات المصريات يخترن السكوتر.
بعضهن يلجأنن لها للهروب من التحرش الجنسي المنتشر في بلد تعتبرها تقارير عدة من أكثر البلدان من حيث نسبة التحرش. فقد أكدت دراسة للباحث هاني هنري، رئيس قسم علوم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، تعرض 999% من المصريات لتحرش في الشارع.
والبعض الآخر أراد الهرب من الزحام الشديد الذي أصبح علامة مميزة لكل شوارع وميادين مصر.
بالنسبة لعادل، تعطيها السكوتر إحساساً رائعاً بالحرية وبامتلاك العالم، وبقدر كبير من الانفتاح على الحياة.
تقول لرصيف22: “تعلمت قيادة السكوتر في حصة واحدة، فأنت حين تقود دراجة هوائية لسنوات يصبح لديك قدرة على حفظ توازنك، وهذا هو المطلوب”.
لكن، برأيها، ما تعلمته لاحقاً في الشارع، وخلال تجربتها اليومية على صديقتها، الدراجة البخارية، كان أكثر بكثير، وهذا ما دفعها للتفكير بتوثيق يومياتها مع “ماريكا” في كتاب يوماً ما.
أما الجابري فترى في وسيلة التنقل هذه سلاحها الذي تواجه به التحرش وكل العادات والتقاليد التي تمنع الفتيات من القيام بأشياء مختلفة.
يا فتيات.. تعلمن القيادة
في الإسكندرية التي تبعد عن القاهرة حوالي ساعتين ونصف الساعة بالسيارة، تقف شيماء علي، خريجة كلية الحقوق، بجانب السكوتر الخاصة بها عند شاطئ البحر.
تعلمت قيادتها منذ أربع سنوات، وقد كان من النادر حينها أن تجد فتاة تقود سكوتر في الإسكندرية كلها، لكنها قررت أن تخوض التجربة.
أثارت فضول العديد من الفتيات، فبدأن يطرحن عليها أسئلة ويعبرن عن رغبتهن بالتعلم. وفكرت حينها أن تنشئ مشروعها الخاص، وهو مدرسة let’s scoot، التي تعد الأولى من نوعها في الإسكندرية.
“منذ أربع سنوات لم يكن هناك سوى أربع فتيات يقدن سكوتر في الإسكندرية كلها أنا وشقيقتي كنا من ضمنهن”، تقول علي لرصيف22.
لا تكتفي بتعليم الفتيات قيادة السكوتر والتعامل مع أعطالها، فهي تعلمهن أيضاً كيفية إقناع الأهل بالفكرة، وكيفية التعامل مع أي مضايقات أو مواقف تحدث لهن في الشارع أثناء القيادة.
“في أول شهر من انطلاق المدرسة قمت بتعليم 30 فتاة فقط، وزاد العدد كثيراً بعد ذلك، وحالياً هناك آلاف الفتيات يقدن سكوتر بثقة وبدون خوف في شوارع الإسكندرية، تقول علي.
تحرش لمجرد أنك فتاة تقود سكوتر
لا تتخيل شمس الجعراني، وهي شابة في مقتبل العشرين من عمرها، حياتها اليوم بلا سكوتر.
بدأت قيادتها منذ عامين في مدينتها الإسكندرية، وأرادت أن تستخدمها للذهاب إلى الجامعة وتثبت لنفسها أنها قادرة على تعلم كل شيء.
كان عليها أولاً أن تقنع أهلها بالفكرة. وبعكس أسر مصرية عدة ترفض أن تقود بناتهن هذه الدراجة وتراها وسيلة تنقل يحتكرها الرجال، وافق أهل شمس على الأمر.
واجهت مواقف صعبة منذ أن بدأت القيادة، فالتنقل في الكثير من شوارع المدن المصرية بات معركة على الفتاة أن تخوضها مهما كانت الوسيلة التي تمتطيها.
تذكر حينما شدها شخص من شعرها، لمجرد أنها فتاة تقود سكوتر، وحينما طاردها شخص بعربته حتى أوقعها على الأرض، لكنها تخرج كل مرة من التجربة أكثر قوة.
نضال كالماضي
من وجهة نظر الجعراني، فإن الأمر أشبه بالماضي، حين بدأت النساء في مصر في قيادة السيارت، وكان الأمر غريباً. واليوم أصبح هناك مئات الآلاف من النساء يقدن سيارات في شوارع مصر.
تقول لرصيف22: “بعد سنتين سيزيد عدد النساء اللواتي يقدن سكوتر إلى أرقام قياسية، فهي أفضل وسيلة تنقل”.
ويشهد التاريخ نضال المرأة المصرية ضد العادات والتقاليد من أجل قيادة السيارة، فكانت السيدة عباسية أحمد فرغلي، أول من حصل على رخصة القيادة في العام 1920، وصدرت الرخصة من فرنسا.
وقد احتفى المجلس القومي للمرأة في مصر عام 2013 بعباسية واعتبرها رائدة النساء في قيادة السيارات.
الجعراني، من جانبها، بدأت برفع بعض مقاطع الفيديو على حسابها الشخصي لتشجيع الفتيات على قيادة السكوتر والتحدث معهن بصراحة حول كل ما سيواجههن إذا قررن خوض التجربة.
“إذا قررت شراء سكوتر فاعلمي أنك ستكونين مثل الكائن الفضائي بالنسبة للمصريين، الناس ستنظر لك بدهشة، لكن لا تهتمي” هكذا تقول الجعراني في أحد فيديوهاتها وهي تبتسم.