إيمان أحمد ونوس/ جريدة الحياة- كانت المرأة السورية ولا تزال السبّاقة إلى خوض غمار الحياة الثقافية والسياسية، ومجالات أخرى مشابهة، مثلما كان لها حضورها المميّز عبر التاريخ وحضاراته المعروفة، أوليست سليلة إمبراطورات مثل جوليا دومنا وأخواتها اللواتي حكمن أوروبا، وملكات اعتلين العروش كزنوبيا؟ أليست حفيدة مريانا المراش أول صحافية سورية عام 1870، ولبيبة هاشم التي أصدرت عام 1906 مجلة «فتاة الشرق» وتبعتها ماري عجمي أوّل امرأة رفعت شعار المقاومة النسائية ضدّ العثمانيين وأصدرت أول صحيفة نسائية «العروس» عام 1910، ونازك العابد مؤسِسة جمعية نسوية ومدرسة للفتيات حملتا اسم «نور الفيحاء» عام 1915. كما لا يمكننا تجاهل رائدة العمل النسائي ثريا الحافظ صاحبة أول منتدى أدبي في الشرق وأول سورية تُرشّح نفسها للانتخابات النيابية عام 1935. لذا، فقد منح الدستور المرأة حق الانتخاب في عام 1950، وحق الترشّح بعد أربعة أعوام، إلّا أنها لم تدخل البرلمان إلّا بعد انتخابات 1973 حيث دخلته خمس نساء.
لقد واصلت المرأة السورية مسيرتها تلك لاحقاً على رغم التعتيم الإعلامي الرسمي والمجتمعي على حضورها وفاعليتها، وعلى رغم التطورات السلبية التي عمّت المنطقة بسيادة الإسلام السياسي وتَدَيّن المجتمع نهاية القرن الماضي واستمراريتها حتى يومنا هذا، إلّا أنه لا يُمكننا في حال من الأحوال إنكار التأثير السلبي لهذا في عموم النساء، حيث وعلى رغم القضاء على نسبة كبيرة من الأمية الأبجدية لهن، وارتفاع نسب التحاق الفتيات بالمدارس والجامعات، وخوض غالبيتهن غمار العمل في قطاعات ملائمة لبنيتهن الجسدية، ولمنظومة القيم المجتمعية السائدة، إلّا أن النظرة العامة والتعامل مع المرأة لا يزالان ينطلقان من رؤية تقليدية تضعها في مرتبة التابع دوماً مهما حصّلت من علوم ومعارف، ومهما وصلت إلى مواقع مهمة أو حسّاسة في المجتمع والدولة.
إن هذه الرؤية التقليدية لا تقتصر على المجتمع التقليدي فقط، وإنما تمتد لتشمل التعامل الحكومي والقوى والأحزاب السياسية التي تتعامل مع مسألة المرأة وحضورها فقط من باب الشعارات لتكون مجرّد ديكور يُكمّل اللوحة بإطار مُبهر.
صحيحٌ أن قانون العمل في سورية ساوى بين الجنسين في المكانة والأجر وما يتبعهما، مثلما هو صحيح أيضاً طغيان العنصر النسائي على بعض قطاعات العمل، إلا أن وجود المرأة في مواقع مهمة وحساسة في الدولة، لا يزال في أحيان كثيرة لا ينمّ في شكل حقيقي عن واقع المرأة السورية، كما أنه يأتي من باب السبق ليس إلّا، بمعنى الإشارة إلى أن سورية أول دولة عربية أو إسلامية تكون المرأة تشغل منصباً ما فيها.
فكانت سورية مثلاً أول دولة عربية تُعيّن امرأة في منصب نائب لرئيس الجمهورية، وأخرى في منصب مستشار، أو للمرة الأولى في تاريخ البلاد تصل المرأة إلى رئاسة مجلس الشعب في دوره التشريعي الأخير إثر انتخابات نيسان (أبريل) 2016، فكانت الدكتورة هدية عباس رئيسة لمجلس الشعب. كذلك انتخبت أواخر نيسان الماضي الدكتورة سراب عثمان رئيسة لجمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها كأول امرأة تشغل هذا المنصب، تلى ذلك المرسوم الرئاسي القاضي بتعيين القاضية آمنة الشماط رئيسة للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.
ونبقى في جهاز القضاء، حيث وصلت نسبة القاضيات في سورية إلى 30 في المئة منتصف العام الحالي، كما بلغت نسبة القاضيات في محاكم الاستئناف بدمشق 75 في المئة، وكانت على رأسهن المُستشارة خديجة بدرخان التي أصبحت رئيسة محكمة الاستئناف الأولى للمرة الأولى، وبخطوة لا سابق لها عيّنت للمرة الأولى القاضية سلوى كضيب رئيسة للتفتيش القضائي. وبعد ذلك صدر مرسوم رئاسي بتعيين القاضية زاهرة بشماني رئيسة لمحكمة الإرهاب بعد أن كانت تشغل منصب رئيس محكمة الجنايات الثانية في دمشق.
وحينذاك، أشاد رئيس غرفة الجنايات في محكمة النقض القاضي أحمد البكري، بأن سورية هي الأولى عربياً في عدد القاضيات، لكنه أضاف أنه لا تعيّن قاضيات في المحاكم الشرعية لأن قانون الأحوال الشخصية نص على ذلك باعتبارها محاكم ذات ولاية!
الآن، وبعد كل ما استعرضناه، نجد أن المرأة السورية استطاعت عبر تاريخها الطويل ماضياً وحاضراً إثبات حضورها المميّز في المراكز المهمة والحسّاسة باقتدار وجرأة وجدارة، مثلما أثبتت مقدرتها منفردة على تحمّل تبعات حرب لا تزال متأججة حتى اليوم. وبالتالي، لم تردعها عوائق وعقبات وضعتها أو تضعها أمامها نظرة دونية إلى المجتمع، بدليل أنها مؤشّر إلى التفاخر بما أنجزته أو السبق الذي حققته الحكومات المتعاقبة التي لا تتوانى عن إقصائها متى أرادت.
ففي الوقت الذي شهد تعيين عدد من النساء في مناصب مهمة، بعضها كان للمرة الأولى، تمّ حل الاتحاد النسائي بمرسوم رئاسي بسبب أن المرأة السورية وصلت إلى المساواة مع الرجل في المجالات كلها وما من داعٍ لمنظمة قائمة على التمييز على أساس الجنس. فوجود هذا الاتحاد يُعتبر تمييزاً يُرسّخ شعور المرأة بأنها مختلفة عن الرجل في التنظيمات الأخرى، والمطلوب (ولننتبه إلى المطلوب) هو القضاء على هذا الشعور فتنتفي تماماً فكرة / الكوتا/ التمييزية في رأي مسؤول في القيادة القطرية! كما أن حجب الثقة عن أول رئيسة لمجلس الشعب وإعفاءها بعد أقل من عام على تولّيها هذا المنصب مع تحفظنا عن الأسباب، هو البادرة الأولى من نوعها في تاريخ البرلمان السوري الذي لم يشهد يوماً حجب ثقة عن وزير أو مسؤول.
إذاً، المسألة هي مسألة إرادة حكومية أكثر منها مسألة تميّز حقيقي للمرأة في نظر تلك الحكومات التي لا تتوانى عن تبرير حضور المرأة أو غيابها في مراكز صنع القرار بأسباب تخدمها في كلتا الحالين.
فهل حقاً وصلت المرأة السورية إلى المساواة الحقيقية والفعّالة مع الرجل في نظر الحكومة والمجتمع؟
ولماذا إذاً، يتمّ التباهي بأننا أول دولة عيّنت المرأة في منصب كذا وكذا؟