العنف الأسري في سوريا.. ذاكرة الشباب المؤلمة عن آبائهم وأمهاتهم
أشهر أدوات العنف في سوريا بعد “الكف واللبط” هي “الشحاطة-القشاط-العصا”/ سناك سوري

صفاء صلال/ snacksyrian- يسترجع “سنان” 19 عاماً ما تعرّض له من تعنيف على يد والده. ويقول أن الحادثة لا تزال حاضرة في ذاكرته. مضيفاً أن والده قرر معاقبته لمجرد أنه تأخر عن شراء السجائر له.

يقول “سنان” لـ سناك سوري: «أحضر والدي خرطوم المياه وبدأ بضربي حتى أغمي علي. ولم تتجرأ والدتي على الدفاع عني لأنها لو فعلت كانت ستلحق بي». ويتابع الشاب «لم أشتكِ لأحد لأن الجميع سيلومني».

بينما يتذكر “أُبي” ساخراً أنه كان أول طفل من أبناء جيله يستخدم كيبورد الكمبيوتر بفضل والدته. ويوضح أنها كانت تضربه بـ “شحاطة بلاستيك” عليها مربعات من الأسفل وكانت هذه المربعات تطبع على جسده مثل كيبورد الكمبيوتر ولم يتبقّ سوى أن يضع عليها حروفاً حتى تصبح كيبورد حقيقي.

ويؤكد “أبي” البالغ من العمر 29 عاماً من العمر أن ذاكرة طفولته مع أسرته مؤلمة جداً هو ومعظم أبناء جيله وأنها انعكست على شخصيته التي أصبحت عنيفة وتمارس العنف مع مرؤوسيه في العمل. مشيراً إلى أنه يحاول علاج آثار هذه المشكلة على شخصيته.

العنف الأسري في قانون العقوبات الحالي

ويتخذ العنف الأسري الجسدي أشكالاً مختلفة بسوريا من بينها “جرائم الشرف” التي يرتكبها الذكر بحق الأنثى ويتم تبريرها بمبررات أخلاقية وجنسية. وكذلك الضرب الذي يمارسه الآباء أو الأمهات بحق الأبناء والبنات. إضافة للعنف الذي يمارسه الأخ تجاه أخيه أو أخته. أو الأخت تجاه أخيها وأختها.

لدينا أيضاً عنف الزوج تجاه زوجته أو الزوجة تجاه زوجها أو عنف أسرة الزوج تجاه الكنة..إلخ من حالات عنفية تتمثل بالضرب المباشر باليد أو باستخدام أدوات مساعدة. وأشهر أدوات العنف في سوريا بعد “الكف واللبط” هي “الشحاطة-القشاط-العصا”. يضاف إلى ذلك أدوات العنف القاتل مثل السكين والسلاح الحربي.

البيئة القانونية المحفزة على العنف الأسري

تعاني القوانين السورية من قصور في مكافحة ومواجهة العنف الأسري. ويمثل قانون العقوبات الذي شاخ وأصبح عمره قرابة 75 عاماً المرجع الرئيسي للجرائم المرتبطة بالعنف في سوريا. وهذا القانون يفتقد لمادة واضحة تجرّم العنف الأسري.

وجاء في المادة 185 من القانون ذاته أن الفعل الذي يجيزه القانون لا يعد جريمة. وتضيف أن القانون يجيز ضروب التأديب التي ينزلها بالأولاد آباؤهم وأساتذتهم على النحو الذي يبيحه العرف العام.

كذلك يعاني القانون من قصور شديد في مواجهة العنف فعلى سبيل المثال إن عقوبة إجهاض المرأة الحامل هي السجن بين 10 أيام و6 أشهر على الأكثر أو بالحبس التكديري وغرامة من 25 إلى 100 ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين. ومن المعلوم أن العنف الأسري في بعض الحالات قد يقع على نساء حوامل ويتسبب بإجهاضهن.

بينما حدّدت المادة 544 عقوبة من يقوم بإجهاض امرأة حامل وهو على علم بحملها ولم ينجم عن ذلك تعطيلها عن العمل لمدة تزيد عن 10 أيام. بالحبس 6 أشهر على الأكثر أو بالحبس التكديري وغرامة من 25 إلى 100 ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.

إلا أن جهود المجتمع المدني السوري والحقوقيين أثمرت عن تعديل هام في القانون شمل المادة 548 المتعلقة بـ”جرائم الشرف“. وأصبحت هذه الجرائم “جرائم قتل عادية” دون أي تخفيف للأحكام. لكن بقي هناك ثغرة في القانون بالمادة 192 منه والتي تتيح للقاضي إمكانية تخفيف الحكم. إن تبيّن له أن الدافع كان “شريفاً”.

دعوات لإقرار قانون يجرّم العنف الأسري في سوريا

يحتاج ضحايا العنف الأسري إلى بيئة قانونية تحميهم ودولة تحتضنهم ومجتمع يقف إلى جانبهم. وترى “آية ” (24) في حديثها لـ سناك سوري أن بداية الطريقة تكون بإقرار قانون خاص بالعنف الأسري. مشيرة إلى أن الإناث أكثر عرضة للتعنيف وفق ماترصده في محيطها.

“تهامة” 23 عاماً تشير إلى عدم وجود رادع قانوني حقيقي يحمي النساء من خطر العنف الأسري. بدورها دعت “نينار 29 عاماً” إلى تطبيق قانون العنف الأسري على الجنسين دون تمييز. لأن العنف لا يقتصر على جنس دون آخر وفق حديثها. وترى أنه «من المهم معاقبة المعنِّفين بحزم كيف يفكروا بالعواقب الوخيمة التي يجرها عليهم سلوكهم السلبي».

سحب الأطفال من الأهل المعنِّفين

بينما ذهب “زكريا” بعيداً في رؤيته لقانون تجريم العنف الأسري. وطالب بأن يكون صارماً لا سيما في حالات تعنيف الأهل لأطفالهم. حيث اقترح أن يتم إنذارهم في البداية للتوقف عن التعنيف. وفي حال عدم الاستجابة أن يتم سحب أطفالهم منهم. على حد تعبيره.

ويعتبر “نور” (٢٩) عاماّ  أن وجود قانون وعقوبات رادعة من الممكن أن يخفف من الجرائم التي نراها اليوم بحق الأطفال والزوجات.

بدورها لفتت “لورين 23” عاماً إلى ضرورة أن يلحظ القانون ضمان حماية الزوجة والأطفال بعد خروج المعنّف. ودعت لتوفير العلاج النفسي للمعنف في السجن. كما أعربت عن تأييدها لفكرة سحب الأولاد من الأهل المعنِّفين وتأمين جهة خاصة لرعايتهم.

تستذكر “سلام” (٢٧عاماً) حادثة مقتل الشابة “آيات الرفاعي“: «برودة أعصاب المجرمين وهم يتحدثون عن فعلتهم المشينة لا تغادر ذاكرتي». وتذكر أن العنف «لا يقتصر العنف على الإيذاء الجسدي بل يتعداه للأذى النفسي ولكل حالة يجب أن تكون العقوبة مناسبة لمدى خطورتها وأثرها على الضحية».

أرقام عن العنف الأسري في سوريا

لا أرقام رسمية عن حالات العنف الأسري في “سوريا” ولا تقارير إحصائية دورية تتابع هذه الحالات. وآخر المعلومات تعود إلى آب 2022 حين قال رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي” في “سوريا” “زاهر حجو” أنه تم تسجيل 872 حالة عنف ضد المرأة السورية خلال النصف الأول من 2022.

فيما تُسجَّل 100 حالة عنف ضد النساء شهرياً وفق حديثه لافتاً إلى أن الأشهر الستة الأولى من العام 2022 شهدت سقوط 3 ضحايا من النساء بسبب التعنيف. إلا أن هذه الأرقام مرتبطة بمن تقدموا بشكاوى رسمية فقط أما أولئك الذين بقي عنفهم طي الصمت فهم أضعاف مضاعفة.

وأوضح “حجو” أن “حلب” جاءت في المرتبة الأولى بتسجيل 278 حالة تعنيف أسري فيها. تليها “السويداء” بـ 225 حالة ثم “دمشق” بـ 183 حالة و”حمص” 100 حالة. فيما يبقى الكثير من الحالات مسكوتاً عنه ومعتّماً عليه لاعتبارات اجتماعية.

لا يجرَّم العنف الأسري إلا إذا تسبب بأذى جسدي كبير

يقول المحامي “حسام شيحا” أن القانون في “سوريا” لا يجرّم العنف الأسري إلا إذا تسبب بأذىً جسديٍّ كبير. حيث يتحول الأمر إلى قانون العقوبات بشرط الادعاء الشخصي من المعتدى عليه.

وأضاف “شيحا” في حديثه لـ سناك سوري أن القانون بحاجة لتطوير بحيث يصدر المشرِّع قانوناً خاصاً بالعنف الأسري دون الإحالة إلى قانون العقوبات العام. داعياً إلى أن ينص القانون على أحقية أي شخص بالادعاء إن كان شاهداً على حالات التعنيف الأسري.

وتابع “شيحا” أن القانون في الدول المتقدمة يتحرك دون ادعاء شخصي لأن الحقوق محفوظة للنيابة. أما في “سوريا” فالادعاء الشخصي شرط من شروط تحريك الدعوى. حيث تتحول القضية إلى قانون العقوبات بما يراعي تقرير الطب الشرعي. وعندما تكون الحادثة بين شخصين تربطهما صلة قرابة من الدرجة الأولى في حال تحريك الادعاء وهو أمر نادر. فيكفي أن يقع الصلح بينهما لتسقط الدعوى والحق العام.

تقدّم كافة المعطيات مؤشرات خطيرة لغياب تجريم العنف الأسري بالقانون ومساهمة ذلك في استسهال هذه الجرائم. بل وسكوت الضحايا عنها لأنهم لا يمتلكون حماية قانونية. في وقتٍ لا يزال فيه القانون حبيس الأدراج رغم الحديث عن مناقشته سابقاً.

أشهر أدوات العنف في سوريا بعد “الكف واللبط” هي “الشحاطة-القشاط-العصا”/ سناك سوري

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015