المرأة في الفيلم سورية لأن وجع هذا البلد لا يطاق!
فيلم «الهائمون في الصحراء»

باريس/ جريدة الحياة- يعود الناصر الخمير إلى الأضواء، تلك الأضواء التي يتجنبهـــا عادة. فهو يرى أن أعماله هي ما يتحدث عنه، هي التي تعيــده، لاشيء غيرها. لا الجدل الذي تثيره ولا السكون الذي تقلقه لا آنيتها ولا إثارتها، بل دوامها، استمراريتها، جماليتها. أعماله التي «تفتح ثغرة في السقف فتشاهد منها السماء والنجوم…».

«الهائمون في الصحراء» حضروا في البندقية، في مهرجانها الأخير مع سبعة عشر مما اعتبر «كلاسيكيات السينما العالمية»، حضروا إلى جوار ميزوغوتشي، غودار، انطونيوني، شابرول… الفيلم العربي الوحيد جاء مرمماً، جديداً، المهرجان قرر ترميم هذه التحفة وضمها إلى التراث السينمائي العالمي.

تُصنع لتبقى

ولكن أين صاحبها ولمَ لا يظهر إلا نادراً في المشهد السينمائي العربي؟ لأنه بكل بساطة لايصنع إلا القليل القليل من الأفلام. أفلامه مصنوعة لتبقى، أفلام تنير على حضارتنا الماضية بفنية وجمالية، تذكّر بما نسي، بما يجب ألّا ينسى، بهذا الذي وضع على جنب، أهمل وهو الأصل. علماؤنا، فكرنا، تأثيرنا… كل ما لم ندرسه في المدارس وكل ما أغفلوه. هو يحييه في أفلامه «يعطي مداخل حديثة ومتقدمة للفكر الإسلامي الحقيقي المبني على البحث والعمل والمعرفة».

حين عرض مرة فيلمه عن الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي في تونس، سأله شاب وهو دامع العينين» ولكن، لماذا لا يعلموننا هذا؟!». ما يفعلون بالأجيال؟ كأنك تأخذ طفلاً وتسكنه في بيت مغلق وتشير إلى سقفه قائلاً: «هذا سقف بيتنا». هو في الفيلم أراد أن «تُفتح ثغرة في السقف فنشاهد السماء والنجوم».

هو الآن يطرح على نفسه أسئلة، عن الذي يجب قوله أو فعله أمام كل هذه الكوراث التي تنهال على رؤوسنا، عن صور هذا العالم، صور دمار وتعاسة وعذاب ومصائب تنتشر في كل مكان وتخفينا تحتها.

أقول «بتنا مطمورين تحتها». يصحح لي «أصبحنا» أفضل هنا، هكذا تبدأ عملها من يقظتنا ونفتح عيوننا عليها طوال النهار! هذا الحال الذي نحن فيه ينزع عنا صفة الإنسانية، يقول. هو يصنع أفلاماً لتلمّس هذه الصفة. يشير إلى أنه في وقت مضى كنا قد علمنا العقل والمنطق لأهل الغرب، علمناه الإنسانية أيضاً.

يريد اليوم أن يحكي عن الضياع بسرد حكايات شعبية، كم يحبها هذه الحكايات. يرويها في «همس الرمال» فيلمه الجديد حيث دليل سياحي صحراوي من تونس وامرأة سورية، وأهل قرية حقيقيون.

الدليل يحكي للمرأة حكايات متذكراً ماضيه الذي لم يبق منه غير الأثر، وشعور بتسربه بعيداً، بضياعه هذا الماضي. كل ما يعبر أمامه منه الآن هو خراب وأثر بعد عين. هو ماضٍ لم يتبقَ منه إلا الحكايات، وقرى طفولته المندثرة لم تعد سوى آثار مشتتة هنا وهناك، لايذكّر بها إلا حكايات مبهجة تُخلّف في الأعماق وجعاً بلا حدود وإحساساً بخسارة وضياع أليم. ماضينا هو اليوم غبار متناثر هنا وهناك نستجلبه بحكايات زاهية كلها حماسة وحب. لكنه ضاع، وقد يكون المستقبل ضاع معه.

الناصر الخمير يشرح لي «الشكل في هذا الفيلم لا يأخذ في الاعتبار الحدث بل هو طريقة للتعبير عن الزمن الضائع والواقع المرير». فنحن تعدينا بأشواط الدراما. تبقى الآلام. اليوم يعاني العالم العربي من الدمار والحرب والهجرة الجماعية. إنها مآس كثيرة. «همس الرمال» فيلم عن هذه الآلام والشعور بالفقدان.

وقد تم تصويره على مرحلتين: الأولى، الحكايات الشعبية التي تروي وتعبر عن مشاعر الخسارة والضياع، جسّدها سكان القرية من دون ممثلين محترفين. والثانية، رحلة الألم إلى الصحراء، لعبها ممثلون محترفون. دليلٌ سياحي يعود إلى أماكن طفولته في الصحراء، ويمر بالقرى المندثرة. هل الجفاف أم الجوع أم الحرب أم النزوح الذي أفرغ هذه القرى من سكانها وتركها حطاماً؟ لا جواب عن ذلك. الدليل لا يرغب في الالتفات إلى الماضي بحمولته من الآلام والمآسي، لكنه يفضل أن يروي الحكايات الشعبية لإحياء طفولته في هذه البقاع .

أما بالنسبة إلى المرأة السورية الآتية من كندا فهي تبحث عن مكان محدد في هذه الصحراء الشاسعة حتى تفي بوعد قطعته لأمها على فراش الموت. «همس الرمال» فيلم يتأرجح بين الذاكرة العربية الجريحة والمستقبل المخيف.

ولم المرأة سورية، أسأله؟

لأن وجع سورية لايطاق…

يجيب بابتسامة يائسة.

فيلم «الهائمون في الصحراء»

فيلم «الهائمون في الصحراء»

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015